ناهض حتّر
د. عزمي بشارة، هو، عندي، أفضل منظّري السياسة الفلسطينية. ويعود أحد الأسباب الرئىسية الى تفوّقه، هنا، هو استرشاده بنظرة عروبية وعقلانية ونضالية.
وكنت أحسب – وما زلت – د. بشارة مدّخراً للمشاركة في تطوير نظرية العروبة الجديدة، اللازمة، في رأيي، للتأسيس للمرحلة الثانية من حركة التحرر الوطني العربية. وهي مرحلة تأخر انطلاقها – رغم نضج الظروف الموضوعية – بسبب فوات الادوات النظرية السابقة، والعجز عن الخلق النظري الجديد.
فلا حركة ثورية – مثلما كان يقول لينين – من دون نظرية ثورية.
وأخشى ان د. بشارة – على الرغم مما يملكه من ذكاء وقدرة تحليلية – لا يملك – تحت ضغط اعباء النجومية – الوقت الكافي لتفكيك الادوات النظرية القديمة. وهو ما يزال يستخدمها. وهي أجدبت عن الانتاج الفكري منذ وقت طويل. ومنها مفهوم ومصطلح “القومية”. وهما مفهومان ومصطلحان مستوردان من الايديولوجية الالمانية – الغربية، وغير مطابقين. ولعلي افضل استخدام مفهوم ومصطلح “الأمة” الذي يفسح، في المجال، أمام حضور الشعوب والاوطان والأديان والمذاهب والاتجاهات، ولا يميل الى التجانس العضوي – العنصري – أو هيمنة الاكثرية على الاقلية.
القول “بالقومية” يولّد اشكالية زائفة – لا يزال د. بشارة يفكر في داخلها – وهي اشكاليّة “القومي – القطري”. ولا ينقذ هذه الاشكالية، القول بأن القومية يتم تخليقها – تصنيعها. فهذا التصنيع يتم وفقاً لمثال تجانسي ينبذ التنوع. وهو اساس الميول التسلطية القمعية عند الاحزاب القومية سواء الناصرية أم البعثية، حيث يملك الحزب القومي باسم المثل الاعلى، الحق الاخلاقي والسياسي في قمع الاخرين.
جسدت الناصرية – وهو ما لا ينتبه له د. بشارة – نزعة المماهاة بين ما هو عربي وما هو مصري وما هو سني وما هو سلفي. وبهيمنة هذه الايديولوجية المصرية المركبة، تشكلت حركة القومية العربية، بوصفها حركة نابذة للمكوّنات الاخرى للعروبة، فلا مكان فيها لليهود أو المسيحيين أو الشيعة أو الاقليات الاثنية او الخصوصيات الوطنية او حتى الجغرافية السياسية الحضارية – كالمغرب والهلال الخصيب والجزيرة – .
في القضية الفلسطينية، لم تستطع “القومية العربية” بذلك، ان تقدم حلاً اندماجياً لليهود العرب، وفي لبنان، حولت الناصرية، مبادرين الى الاحياء العربي – كالموارنة – الى انعزاليين. وفي العراق، حيث سيطرت نسخة بعثية من الناصرية، جرى اقصاء الشيعة من العروبة – قسرا – وتمزيق المجتمع العراقي.
المداخلة الناصرية في العلاقة الاردنية – الفلسطينية – لم تكن، تقليدياً، باتجاه التوحيد بل التمزيق، تحت دعاوى السياسة اليومية، من دون الالتفات الى المصالح الاستراتيجية للشعبين.
يلاحظ د. بشارة – عن حق – ملاحظة توصلنا اليها وعرضناها مراراً، وهي ان الاسلام السياسي بكل تفرعاته المنطلقة من حركة الاخوان المسلمين، استورد منطلقاته الأساسية من اشكالية غير عربية، هي اشكالية الطائفة الاسلامية في القارة الهندية، حيث المسلمون اقلية، تشكلت لديها، بحكم هذا الواقع، نظرية طائفية وانفصالية والنزعة الى تشكيل دولة وطنية – دينية تجسدت في الباكستان وهذا مختلف، نوعياً عن الاشكالية العربية، حيث الاسلام دين الاغلبية الساحقة، مما يجعل الاسلام اطاراً حضارياً ووطنياً خارج الصراع السياسي، لنقل: مثل الهندوسّية والوطنية الهندية.
بالتأسيس على ذلك، فان اشكالية العلاقة بين العروبة والاسلام، غير مطروحة. والقبول بمناقشة اشكالية زائفة، هو استسلام امام النزعة السلفيّة المستوردة، يعد عند د. بشارة الى درجة القبول بالمطلب السلفي بالعودة الى ما يرونه الاسلام – الاصل، وشطب التراث التاريخي. وهذا التضاد مع التاريخ هو اساس نظرية الجاهلية والتكفير.
نحن ندعو د. بشارة بما له من ثقل معنوي، المساهمة في تفكيك المفاهيم الفائتة والاشكاليات الزائفة التي رافقت التشكيل اللاديمقراطي للحركة العربية، لصالح عروبة جديدة جاذبة لكل مكوناتها على قاعدة الاعتراف التاريخي بالتعددية الدينية والمذهبية والخصوصيات الوطنية والاثنية، في سياق التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي. فهذا الافق المفتوح التوافقي هو وحده، الذي يقود الى زوال الاحتقانات والحروب الاهلية – القائمة والممكنة – ويخلق الاساس الفكري والثقافي للانتصار على الصهيونية والاستعمار.
ناصرية بأثر رجعي
Posted in Uncategorized.