للبراجماتية السياسية حدود هي حدود المبادئ؛ فطالما أن التيار السياسي يحافظ على منطلقاته الأساسية، فإن من حقه ـ بل من واجبه ـ أن يتحلى بالمرونة في الأداء، بما يكفل له تحقيق أهداف جزئية أو انجاز نجاحات على صعيد تزخيم حضوره، بما في ذلك احراز أكثر ما يمكن من المقاعد النيابية. لكن، عندما تتجاوز البراجماتية، المبادئ، وتتخلى عن المنطلقات للحصول على مكاسب، نكون، هنا، بإزاء السؤال حول الصدقية والثقة. لن أسمي ذلك التيار السياسي المشارك في الانتخابات، ولكنني متيقن من أن العديد من نقاطه البرنامجية التي يطرحها لاستجلاب الناخبين، لا تعبّر عن رؤيته السياسية أو تركيبته الاجتماعية، بقدرما هي تجميع لشعارات لا تربطها منظومة فكرية ولا تستند إلى تجارب واصطفافات أعضاء القائمة، وإنما ظن المشرفون على حملة التيار الانتخابية، أنها تجتذب الأصوات، حتى حينما تكون متعارضة مع الثوابت والمصالح الوطنية.
ومن تلك النقاط البرنامجية أن التيار يؤيد منح الجنسية لأبناء الأردنيات. وهذه قضية طُرحَتْ وجرى البت فيها لجهة أن تجنيس أبناء الأردنيات، لا يقع في باب الحقوق النسوية، وإنما في باب الأمن الوطني؛ فالمطلوب تجنيسهم ليسوا بالمئات أو حتى بالآلاف، بل بمئات الآلاف. وهي عملية تقع في خانة التجنيس السياسي والتوطين والإخلال بالمعادلة الديموغرافية. وكل ذلك يعرفه رئيس التيار جيدا، ويعرف أن وعده الانتخابي المعني لا يمكن تحقيقه. وهو قد يكسب عددا من الأصوات بفضله، ولكنه سيكون أمام امتحان عسير بين التزامات رجل الدولة والتزامات النائب. والحكاية كلها تثير وستثير ملفا شائكا تجاوزناه، وتفت في عضد وحدة الشعب الأردني، وتوتر الجو السياسي بشحنات مسمومة. فهل تستأهل بضعة آلاف من الأصوات، ذلك كله؟
قائمة ‘تحالفية’ أخرى، تطرح شعار ‘ استرداد الجنسية’. فلمن؟ ألبضعة مئات من الحالات الفردية التي يتوجب على وزارة الداخلية البت فيها، أم للآلاف والملايين؟ إن الهدف من هذا الشعار المستحيل هو مجرد الإثارة والتحريض. ومن المؤسف أن تنجر شخصية نيابية تقليدية إلى هذا المطب لضمان الفوز بمقعد نيابي.
أما رؤساء القوائم والمرشحون الفرديون المتخصصون بشعارات التجنيس والتوطين والمحاصصة، فهؤلاء منسجمون مع حقيقتهم السياسية كقوى توطينية بالأساس.
باستثناء قائمة واحدة تمتلك برنامجا متكاملا من الحلول العيانية المقترحة للمشكلات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فإن جميع القوائم الستين الأخرى ليس لديها شعار عياني واحد سوى ما يتردد من شعارات توطينية، غزت حتى ‘ برامج’ التيارات المحسوبة على الوطنية الأردنية.؟ وهذا يثبت شيئا واحدا أن ليس كل ما يلمع ذهبا، وأن العديد ممن يحسبون أنفسهم على مبادئ واتجاهات، مستعدون، من أجل تحقيق المكاسب، للتخلي عنها.
من المفروض أن الانتخابات النيابية هي تنافس بين مدارس اجتماعية سياسية، داخل إطار الثوابت الوطنية. ولكننا لا نرى، في هذه الانتخابات، مدارس كتلك، وإنما العبث بالثوابت، وكشاكيل شعارات لا ترابط بينها، ومليونيرية يستخدمون أموالهم لتصوير أنفسهم كشخصيات سياسية.
العرب اليوم