ناهض حتّر
إعادة هيكلة النظام الضريبي في إطار منظومة اجتماعية-اقتصادية (أوضحنا بعض جوانبها سابقاً) لا يكفي وحده للخروج من الأزمة الاجتماعية الطاحنة التي تعيشها البلاد. ولذلك لا بد من إجراء آخر يتعلق بدمج وتحسين أداء الهيئات المعنية بمساعدة الفقراء في هيئه واحدة على المستوى الوطني ذات فعالية. وقد كان هذا المطلب ملحاً منذ سنوات، لتلافي الهدر (في المصاريف الإدارية) والازدواجية في المنح إلخ.
لكن المشكلة الأساسية، هنا، من وجهة نظر المدرسة الاجتماعية، لا تكمن، فقط، في التنظيم الإداري لشبكة الأمان الاجتماعي، ولكن في مفهومها الأساسي، الذي يتضمن سؤالاً حاسماً لا بد من الإجابة عليه بصورة قطعية: هل نحن بإزاء عمل خيري… أم بإزاء عمل اجتماعي؟
كل الصناديق والهيئات والجمعيات العاملة الآن في مساعدة الفقراء، تنطلق من مفهوم العمل الخيري والمعونة الوطنية… إلخ وهذه عملية لا طائل منها، فهي تهدر الأموال القليلة المتاحة من أجل تأكيد ثقافة الفقر والبطالة والقبول بسيكولوجيا امتهان الكرامة الإنسانية. وهي تعطل إمكانية مساهمة الفقراء في التنمية الوطنية، وتعطل قدرتهم على تحسين شروط معيشتهم وحياتهم، وتخلق لهم مهنة كريهة جداً هي «مهنة الفقر».
إن الآلاف من الرجال والنساء في أعمار شابة وصحة جيدة، يفضلون في حالة الفقر المسجلة والحصول على إعانات لأنها، في النهاية، تمنحهم دخلاً-بلا عمل-أفضل من الأجور المعروفة في سوق العمل.
وأخشى أننا -إذا ما طورنا إدارة وأساليب وأحجام المعونة الوطنية-في ظل تدني الأجور في سوق العمل، أن نوسع أعداد محترفي الفقر إلى ما لا نهاية، ونحول المزيد من الأردنيين والأردنيات من رجال كريمين ونساء كريمات، يمكن إدراجهم وإدراجهن في العملية التنموية، إلى شحادين محترفين.
لذلك ينبغي أن ننبذ -كلياً-مفهوم «العمل الخيري» والمعونة من شبكة الأمان الاجتماعي الجديدة التي يجب أن تعمل كرافد للتنمية الوطنية، وتكون استثماراً مباشرا ًفي زيادة الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى درء سقوط مواطنين جدد في مستنقع مهنة الفقر.
كيف يكون ذلك؟ باعتماد المفهوم الاجتماعي-الاقتصادي «لشبكة الامان» التي لا يمكن أن تنجح-أساسا -من دون تعيين حد أدنى للأجور والحقوق العمالية. هو أكبر من أية «معونة» يمكن أن يحصل عليها الفقير.
لا يكفي، فقط، دمج الصناديق الحكومية للمعونة في هيئة واحدة، بل ينبغي إخضاع كل ما يسمى العمل الخيري لمنظومة واحدة، تقوم لا على الإحسان وعمل الخير، بل على الحق الدستوري المكفول للمواطن الأردني بالعمل والطبابة والتعليم إلخ.
1- وهكذا، فإن شبكة الأمان الاجتماعي يجب أن تعمل كصندوق تأمين وطني ضد البطالة، بحيث تمنح ما لا يزيد عن «60» بالمئة من الحد الأدنى للأجور المقرر والمرتبط بسلّم الأسعار، ويسقط التأمين الشهري ضد البطالة في اللحظة التي تؤمن فيها شبكة الأمان الاجتماعي، للمستفيد وظيفة وفق مؤهلاته بالحد الأدنى للأجور، أو تنفق على إعادة تأهيله وتدريبه للوظيفة.
2- وتعمل شبكة الأمان الاجتماعي، أيضاً، كصندوق تأمين وطني ضد العجر والشيخوخة والمرض-في حالة عدم وجود تأمين آخر-وبمستوى لائق وإنساني وعلى أساس حقوق المواطنة، لا على أساس عمل الخير.