ناهض حتّر
يشهد صيف عمان، عشرات الفعاليات الثقافية، الابداعية والفكرية ولقاءات سياسية وجلسات حوار وأماسي شعرية وموسيقية ومعظمها ذو مستوى عال ومن المتوقع ان تجتذب المشاركين المهتمين في الحقول المختلفة. لكن هؤلاء المشاركين لا يأتون، وتظل القاعات شبه فارغة.
ويبذل المنظمون الثقافيون، جهوداً مضنية واستثنائية في الترتيبات والإعداد والدعوات والاتصالات، وتكون النتيجة، غالباً، مخيبة للآمال. وبما انني أكرس 75 بالمئة من وقتي للتنظيم الثقافي والسياسي، فانني اجاهد اليأس واعانده، لكنني، بالطبع اشعر بشيء من الحزن المختلط بالاحباط، بها، شعوري ان المجتمع الاردني يخلو من الحيوية السياسية والثقافية والابداعية – لئلا اقول انه ميت – ثم افاجأ ان بهو المقاهي والمطاعم مزدحم عن اخره بالشباب والشابات، الذين واللواتي يجدون ويجدن الوقت الكافي للسمر الطويل.
ما الأمر؟! احاول ان احل هذا اللغز كالآتي:
1- الاشخاص المهتمون بالنشاطات السياسية والثقافية معدودون وهم، في معظمهم، من اجيال الخمسينات والستينات والسبعينات وبعض الثمانينات وهؤلاء يتراوحون بين 200 الى 300 رجل وامرأة من مخلفات العمل الحزبي اليساري والقومي. وعندما يوزع هذا النادي «شبه المغلق» نفسه على بضعة نشاطات تعقد في آن واحد، فمن المرجح ان كلاً من هذه النشاطات لن يستقطب سوى عدد محدود منهم، اخذين بالاعتبار النشاطات الاخرى من الأعراس والجاهات والعشاءات الخ بالاضافة الى حالات المرض والشيخوخة والإعياء.
2- جمهور النشاطات السياسية والثقافية، الاكثر حيوية، هو، عادة، جمهور الشباب. وهؤلاء مغيبون ومنذ الثمانينات. عن العمل العام، بعيدون عن التيارات الفكرية، ولا يقرأون، ولا يهتمون ان بحيرة الحركة الوطنية والثقافية تجف وتتقلص ولا ترفدها انهار الحياة الشابة المجتمع الاردني اذن، مهدد بالتلاشي والعدمية والتسطيح وضياع الهوية. وهو وضع يلائم، تماماً، الخطط الشارونية لتفكيك الوطن الاردني وإعادة تركيبه جغرافياً وديمغرافياً.
3- اساتذة الجامعات وطلابها وهؤلاء محور النشاط الثقافي في العادة – مضربون اضراباً شاملاً ونهائياً عن كل نشاط ثقافي، ان دور الجامعات «المتكاثرة في بلدنا» اصبح سلبياً تماماً.
4- التشرذم الاجتماعي والديمغرافي وضعف قيمة المواطنة، والعصبيات العلنية والسرية. كل ذلك يجعل القضاء العام ضيقاً للغاية، مفتتاً ومتشرذماً هو الآخر.
في 25/7 الفائت اقام المنتدى الاجتماعي الاردني، احتفالاً بمناسبة الذكرى ال¯ 77 للمؤتمر الوطني الاردني الاول: ذكرى عزيزة جليلة في تاريخ الاردن المعاصر. وقد حضر الاحتفال – ما عدا بضعة شباب – لفيف من الرجال الافاضل اصغرهم في العقد الخامس. وجلهم – اطال الله في اعمارهم – في السبعين والثمانين.
فاذا اخذنا الاعتبارات البيولوجية بعين الاعتبار، فان جمهور السياسة والثقافة والابداع في الاردن مهدد بالانقراض.