ناهض حتّر
كنت اول من دعا الى التحالف بين الزعيمين السياسيين الاكثر ثقلاً: عبدالهادي المجالي وعبدالرؤوف الروابدة، ولطالما كتبت ان خلافاتهما تقع في خانة «الذاتي»، في حين انهما، من الناحية الموضوعية، يستندان الى القاعدة الاجتماعية السياسية نفسها، وهي لا تتلخص، عندي، بالتعبير الصحافي الدارج: «الحرس القديم»، ولكن في اطار اجتماعي سياسي ثقافي يرتبط بالدولة الاردنية التقليدية وتحالفاتها وتعبيراتها وامتداداتها، حين كانت بيرقراطية الدولة، المدنية والعسكرية، هي عماد الحياة السياسية الاردنية، ومركز السلطة، المستقل، نسبياً، عن قوى والطبقات والفئات ومصالحها، والاكثر ارتباطا بفكرة الدولة ودورها الاقتصادي-الاجتماعي في الداخل، ودورها الاقليمي في اطار النظام العربي في الخارج.
ومن نافلة القول ان هذه «الدولة» وقواها، قد تعرضت الى تراجع منهجي كبير في العقد الاخير، تحت وطأة جملة من العناصر الضاغطة، وهي: «1» الخصخصة وأولوية البزنس على المجتمع «2» معاهدة وادي عربة وما تلاها من توطيد العلاقات مع واشنطن وتل ابيب الى الحد الذي افقد الدبلوماسية الاردنية، هامش الحركة الخاصة. «3» الهجمة المنظمة على صورة الاردن التقليدية، وهويته المتوارثة، لصالح صورة جديدة عمادها حرية السوق والتجارة والاستثمار وأولوية مصالح رجال الاعمال وتجاهل مصالح الفئات الشعبية في نطاق ما يعرف بسياسة «الليبرالية الجديدة» وقد استتبع ذلك البحث عن هوية جديدة للبلد، مزدوجة من حيث تركيزها على البعد الامني من جهة، وعلى ليبرالية ديمغرافية وثقافية من جهة اخرى.
وكان من الطبيعي ان تعصف هذه التحولات، بالمشروع الديمقراطي والمؤسسات الدستورية، باعتبارهما يشكلان جدارا امام الليبرالية الجديدة التي ليس لها جذور اجتماعية تساعدها على الظفر بالمقاعد البرلمانية والسير في اللعبة الديمقراطية، بالاضافة الى ان المحددات والمؤسسات الدستورية، تمنع الليبراليين الجدد، او على الاقل تعرقل التنفيذ العاجل غير المشروط لخططهم.
على هذه الخلفية بالذات، كنت ارنو الى تحالف المجالي- الروابدة لخلق قوة اجتماعية-سياسية، تحقق التوازن، وتكفل الحفاظ على التقاليد والمؤسسات الدستورية والتطور الديمقراطي، وتنقذ ما يمكن انقاذه من دور الدولة الاقتصادي – الاجتماعي، ومصالح الاغلبية، وصورة الاردن وهويته.
وما حدث بالفعل ان الرجلين التقيا ولكن ليس لتمثيل قاعدتهما الاجتماعية الوطنية، ولكن للقيام بدور معاكس في ظل الليبرالية الجديدة.
وقد انعكس هذا الاتجاه توا على اداء المجلس النيابي الذي فقد فجأة، القدرة على الاعتراض او الممانعة او النقاش عند المصادقة على مشاريع القوانين الجاهزة الآتية من الحكومة.
الحكومة نفسها تراجع دورها بصورة غير مسبوقة وتحولت الى تنفيذ الخطط الليبرالية الجديدة وبالخلاصة انتهت السياسة الاردنية الى فراغ والفراغ ينشأ ويتعمق انطلاقا من ان هذه الصيغة، ليس لها قواعد اجتماعية او تأييد سياسي داخلي واسع.
فمن يملأ هذا الفراغ؟
الاحزاب المعارضة- بمن فيها الاخوان المسلمون- مقوضة ومشلولة عن الفعل السياسي الجوهري. انها تعيش وتعمل في منطقة ردَّات الفعل المحسوبة. اما الملتقيات الشعبية، النخبوية والشبابية، المقترحة كبديل للفراغ السياسي، فلا تعدو كونها احتفالات تحشيد مؤقتة، تنتهي فعاليتها بانقضاضها. فالصيغ جاهزة، والنقاش محصور، ولا توجد آليات ملزمة للمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار.