من «قائمة المطبعين» إلى «قائمة التوابين»

العرب اليوم

ناهض حتّر
«أعلن عن قناعة تامة، ومن اعماقي، اعتذاري عن زيارة إسرائيل» بهذه الكلمات، ختمت الفنانة أمل الدباس، رسالة الاعتذار التي قدمتها الى رئيس مجلس النقباء المهنيين صالح العرموطي، راجية رفع اسمها من «قائمة المطبعين» التي ينوي المجلس اعلانها. ونشرت الصحف الاردنية (19/ 10/2000) نص الرسالة ونقلت عن الممثلة الكوميدية المعروفة بنشاطاتها العديدة المؤيدة علنا للتطبيع الساخن مع اسرائيل قولها انها ابلغت نقيب الفنانين محمد البرماوي انها أخطأت… «وخير الخطائين التوابون» آملة ان تستعيد علاقتها مع النقابة التي تتخذ موقفا متشددا من اعضائها الذين يخرقون قراراتها بمقاطعة اسرائيل. وتأكيدا لتوبتها، اعربت الدباس عن رغبتها في الانضمام الى لجان مقاومة التطبيع.
منذ 1994، شاركت الممثلة المتوسطة الموهبة، مع شريكها المخرج والممثل هشام يانس في عروض كوميدية تسخر من النضال العربي ضد اسرائيل وتحض على «نسيان الماضي» واوقدت معه الشموع على قبر رئيس الوزراء الاسرائيلي المقتول اسحق رابين. وهي تمتعت برعاية اسرائيلية خاصة رسميا واعلاميا، اثناء جولاتها العديدة في فلسطين المحتلة مع فرقة يانس المسرحية وها هي اليوم تفتتح «قائمة التوابين».
ما من شك ان مشاهد المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية، وعذابات شعبها الجديدة، وقد ايقظت ضميرها، بيد ان قرارها بالتوبة يأتي على الارجح في سياق اخر ولا اعني فقط الحرص على مستقبلها المهني، بل اظنها مع غيرها من المطبعين العلنيين والسريين اعادت حساباتها على ايقاع الهدير الصاخب للمظاهرات الشعبية المعادية لاسرائيل، التي اجتاحت شوارع المدن والبلدات والمخيمات في الاردن، طوال النصف الاول من تشرين الاول الجاري.
مجلس النقباء المهنيين الذي كان اقر منذ اكثر من سنة، الاعلان عن «قائمة المطبعين» ارجأ تنفيذ قراره هذا مرارا وكان يتذرع عادة باستكمال الاجراءات اللازمة لتدقيق القائمة وتلافي الوقوع في الخطأ واتهام ابرياء، الا انه كان متهما من قبل نشطاء اكثر راديكالية، بالخضوع لضغوط حكومية واجتماعية. للابقاء على قائمة المطبعين في الادراج. وبغض النظر عما اذا كان هذا الاتهام صحيحا فان الصحوة الجماهيرية في الاردن والعالم العربي تضامنا مع انتفاضة الاقصى والتي قوت مواقع الراديكاليين في الهيئات النقابية والشعبية الاردنية، ربما تحسم الامر باتجاه الاعلان عن القائمة او على الاقل الدفعة الاولى منها والتي تشمل اسماء لا يوجد خلاف على ادانتها، وفقا لاي معيار علما بان معايير الادانة غير متفق عليها. فهناك من يعتبر المسؤولين الذين اتصلوا باسرائيل بحكم الوظيفة الرسمية «مطبعين» بينما ثمة من لا يعتبرهم كذلك، لان ذلك الاتصال لم يحدث بمبادرة شخصية منهم. كذلك فان الاردنيين من اصل فلسطيني ممن يزورون اسرائيل يثيرون مشكلة اخرى، فهناك من يعذرهم لاضطرارهم الى زيارة الاقرباء في فلسطين الـ 48 ولكن ثمة من يتهم البعض منهم بانه يتخذ من العلاقات القرابية ستارا لاقامة علاقات تجارية وسياسية وامنية مع اسرائيل.
واذا كان «المطبعون» العلنيون من امثال امل الدباس في الاردن قلة قليلة فان قرب الاعلان عن «قائمة المطبعين» يدب الذعر في صفوف السريين منهم. ويجري العديد من هؤلاء اتصالات مكثفة مع مجلس النقباء للتوصل الى حل خارج الاضواء فقيام هؤلاء بالاعتذار العلني يكشف اتصالاتهم السرية السابقة مع اسرائيل. ومن غير المعروف اذا كان المجلس سيتعامل بمرونة مع هذه الحالات الا ان الاتجاه العام هو تأكيد التوبة بالاعتذار العلني مما يجعلنا نرجح ان «قائمة التوابين» سوف تمتلئ في اشارة جديدة الى هزيمة الاتجاه القائل بالتطبيع مع اسرائيل. وهو اتجاه برز بعد التوقيع على معاهدة وادي عربة عام 1994 وحظي برعاية رسمية الا انه قوبل بمقاومة سياسية من قوى المعارضة وبمقاطعة شعبية متصاعدة حاصرته ودفعت بانصاره الى النشاط سرا.
يملك مجلس النقباء المهنيين في الاردن سلطات فعلية على عدة شؤون تمس مصالح حوالي مئة الف مهني، بالاضافة الى ما يتمتع به من نفوذ معنوي جماهيري. واذا كانت ادانة المجلس للبعض بالقيام بممارسات تطبيعية مع اسرائيل تظل في النهاية مجرد فضيحة معنوية فربما كانت بالنسبة للبعض الاخر ضارة بمصالحه ايضا وهو ما يجعل اعلان تلك الادانة سلاحا فعالا.
هل سيغفر الجمهور للمطبعين ويقبل توبتهم ام ان صورة الطفل الفلسطيني المغدور برصاص الاحتلال محمد الدرة ستظل تلاحق المطبعين وتعزلهم اجتماعيا درسا للخارجين عن الاجماع الوطني. سؤال متروك للناس الذين في مواجهة البطش والاغراء، ثابروا بلا كلل على الدفاع عن قلب الاردن وحافظوا عليه ناصع البياض.0

Posted in Uncategorized.