ناهض حتّر
اذا كانت حكومة د. البخيت، جادة، في اصلاح نظام الانتخابات العامة الحالي، عن طريق اعادة تقسيم الدوائر بحيث تتساوى مع عدد المقاعد – واشتراط الحصول على 51 بالمئة من الاصوات للفوز – فلتقدم على ذلك! ولتقدم على ذلك، من دون حوارات ولا مشاورات، وبقرار سياسي حاسم. لماذا؟
أولاً.. لأن الحوارات حول نظام الانتخابات العامة – تحديدا – سوف يغرق في الاجندات والمصالح الخاصة، ويتعرض للضغوط من قبل مراكز قوى لا حصر لها واولها في مجلس النواب الذي يريد اعضاؤه، بالطبع، العودة الى مقاعدهم، وسيحاولون تعطيل تغيير القواعد التي تضمن فوزهم. وبالمقابل، لدى الاسلاميين مصلحة في نظام انتخابي جديد يكفل لهم المزيد من المقاعد. وستشهد «الحوارات» حملات تيار « الحقوق المنقوصة» واللوبيات والعشائر، ذلك بالاضافة الى الضغوط الدولية.
وافضل شيء تفعله الحكومة، هو اتخاذ قرار مدروس وجريء، واعلانه مبكراً، لاتاحة الفرصة امام الحراك السياسي الانتخابي.
ثانيا – قانون الانتخابات العامة الحالي، يتيح للحكومة، اعادة تنظيم الدوائر الانتخابية من دون تغيير القانون او اصدار قانون مؤقت. وهذه فرصة لممارسة القرار، الذي يمكن ان يظل، ايجابياً في حدود القانون نفسه.
ثالثا – تقسيم الدوائر على عدد المقاعد، ليس مجرد اصلاح جزئي، بل انه سيخلق، بالاجمال مشهدا سياسياً جديداً، وحراكاً انتخابياً جديداً، ونخبة نيابية جديدة – نسبياً – فمن ايجابيات هذا النظام ، «أ» انه يسمح بنشوء القوائم السياسية على اساس تبادل الاصوات بين الدوائر «ب» انه يسمح بعودة الصراع السياسي والاجتماعي داخل التجمع العشائري او الديمغرافي السياسي «ج» انه يحول – الى حد كبير – دون شراء الاصوات «د» ويحول دون التزوير المحلي حيث تتكثف الرقابة المتبادلة بين المتنافسين في دائرة صغيرة «هـ» بل انه يحول، ايضاً، الى حد ما، دون التدخل «الحكومي» لصالح مرشح او ضد مرشح. ففي الدائرة الصغيرة المتشكلة من مواطنين متعارفين، سوف يتضح مَن هو الفائز – بالنسبة للمجتمع المحلي – ربما حتى قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع.
وسوف يفرض هذا الواقع العياني نفسه على مراكز القوى «و» ويمنح النواب استقلالية كبيرة ازاء تلك المراكز لحساب الالتزام بالمجتمع المحلي للدائرة.
هل سنكون امام وجبة من نواب الخدمات الاكثر محلية؟ بالطبع. غير ان هذه الصفة بالذات «الاكثر محلية» سوف تفرز نواباً اكثر قرباً من مطالب الفقراء والمهمشين، وهواجسهم ومشاعرهم. ولقد لاحظنا – في اكثر من موقف مفصلي – ان «النواب المحليين» كانوا اكثر جذرية في الجوانب الاجتماعية من النواب المرتبطين بالتيارات السياسية -وخصوصاً الاسلاميين.
رابعاً: على ان بعض هذه الميزات الايجابية، سوف يتلاشى، اذا لم يجر ضبط التسجيل في سجل الناخبين، وخصوصاً لجهة الربط غير القابل للاستثناء بين مكان الاقامة الفعلي والدائرة الانتخابية، بحيث يتم منع مناقلة الاصوات، والغاء ما سبق منها.
خامساً: ومن الاحتياطات الواجب اتباعها هنا «أ» عدم المساس بالحصص الحالية للمحافظات كلياً «ب» مراعاة «المكان» والتشابك الاقتصادي – التنموي، فوق المعقل العشائري والتشابك العائلي والسياسي، عند ترسيم الدوائر.
سادساً – الانتخاب على مرحلتين لضمان الحصول على 51 بالمئة من الاصوات، غير واقعي في المرحلة الاولى من تطبيق النظام الجديد للدوائر الانتخابية. ولا يمكن ان تتضح اهميته او جدواه الا بالتجربة، بالاضافة الى انه قد يعرقل الحراك السياسي التقدمي داخل التجمعات العشائرية.
سابعاً – يمكن تطوير هذا النظام، من خلال تجيير اصوات «الفاشلين»، الى قوائمهم السياسية المعلنة، للحصول – وفق مبدأ النسبية – على مقاعد كوتا اضافية خاصة بالقوائم.
ثامنا: ارجو الا يكون ما اظهرناه من ايجابيات هذا النظام، سبباً للاعراض عنه.