ناهض حتّر
أظهرت التجربة المريرة لحكومة عدنان بدران، ان “الليبراليين الجدد” لا يستطيعون ممارسة الحكم من دون الشراكة مع رجال النظام.. من الاوساط البيرقراطية المدربة. لكن نظرة واحدة الى حكومة الدكتور معروف البخيت، تفجعنا بان هذه الاوساط، لم تعد تملك الكادرات اللازمة لحكومة فعالة، من حيث القدرات الفكرية والسياسية والكفاءة والثقل الاجتماعي، والكاريزما.
من حسن الحظ انه ما يزال لدى الحكم شخصية سياسية يمكنها ان تملأ موقع وزير الخارجية في ظروف اقليمية ودولية صعبة – مثل عبد الاله الخطيب – لكن يظهر… انها أجدبت!
لا يفتقر الاردن، بالطبع، والى الشخصيات السياسيّة المؤهلة، الاّ ان اسلوب تشكيل الحكومات كلّه أصبح عقيماً وقديماً.. ومتآكلاً. ولم نحظ – بعد – بحكومة لها وزن من دون مجلس نيابي قوي، ومشاورات برلمانية ملزمة، وامتثال كامل للأصول الدستورية، وبخاصة في مجال تنظيم العلاقة بين السلطات.
من علي ابو الراغب الى فيصل الفايز الى عدنان بدران الى معروف البخيت، جرى استهلاك العشرات من النخبة السياسية، ممن كانوا واعدين بامكانات خصبة – لم تثمر على أشجارها- بل جرى حرقها في الحقائب الوزارية «والبرامج» و«الاجندات» و«الصراعات» والمصالح والصفقات.
يحتاج بناء شخصية سياسية ذات صدقية الى ربع قرن من الجهد والمعاناة، ولكن اسلوب تشكيل الحكومات الاردنية، يستهلك السياسيين كعلب المياه الغازية، ويأتي على سواهم وسواهم وسواهم، بحيث يصطف من هب ودب على الدور!
وسط كل ذلك، تحافظ الليبرالية الجديدة الكمبرادورية على مفاصل القرار الاقتصادي، والاجتماعي والتربوي. يتبدل الرؤساء، ويُستَهلك الوزراء، وتتغير المواقف.. لكن «المجموعة الاقتصادية» تظل في قلب الحكم… إنها الحزب الحاكم الذي يبدل بعض اعضائه – أحياناً- ببعضهم الآخر، لكن النهج يبقى: كل الامكانات والوزارات والدوائر والمؤسسات والقوانين والسلطات في خدمة البزنس العولمي المتوحش ووكلائه المحليين! ولا عزاء للفقراء!
هذا النهج يحرق افضل الرؤساء، ويبدد صدقية الحكومات، ويجعل التغيير الوزاري بلا معنى سياسي، ومن دون أفق.