ناهض حتّر
أصابت اعتداءات 9/11 الارهابية في عمان، الأردنيين بالصدمة والذهول. فهذه هي المرة الاولى التي يضرب فيها ارهابيّو «القاعدة»، أهدافاً مدنية صريحة في الأردن. صحيح أن العمليات الارهابية ذات الأهداف السياسية المباشرة، الناجحة او الفاشلة، اسقطت او كان يمكن ان تسقط ضحايا. وهو ما يثير سخط المجتمع الاردني الذي ينبذ العنف بكل اشكاله. الا انه لم يحدث ان أُصيبَ هذا المجتمع، مباشرة، في قلب طمأنينته. خصوصاً وان الارهابيين استخدموا، لأول مرة في الاردن، اسلوب المفجرين الانتحاريين. وهو اسلوب يصعب التصدي له بالوسائل الأمنية المباشرة.
لذلك، كانت ردة فعل القوى الاجتماعية والسياسية الأردنية، مزيجاً من الأسى والتحدي. وقد ظهر هذا المزيج الموجوع في التصريحات والبيانات والمسيرات والهتافات الجماهيرية. وبينما اظهرت الاجهزة الامنية والطبية، الانتباه والفعاليّة، فقد بدا الاداء الحكومي ضعيفاً ومرتبكاً، سياسياً واجرائىاً وإعلامياً.
من الناحية السياسية، لم يكن للحكومة حضور قوي ومطمئن وفعّال. خصوصاً وان الثقة الشعبية بالحكومة الحالية -ورئىسها- محدودة. وقد تضاربت الاهتمامات والتصريحات بين اركانها. وتعددت الرسائل الاعلامية من استهوال الحدث الى الاستهانة به. واستهلك المسؤولون الكثير من الجهد لاظهار وتأكيد لاعقلانية الاعتداءات من حيث هي اجرامية صرف لا ترتبط بالسياسة. وهي، بالفعل، لاعقلانية كلياً، واجرامية كلياً، وبهاتين الصفتين، بالذات، تكون ارهابية مئة بالمئة، وتحقق اغراضها في ترويع المجتمع بلا تمييز، من اجل اهداف سياسية غير مباشرة. ولم يتلق الاردنيون من حكومتهم، تحليلاً مقنعاً لهذا التطور الفاجع، ولماذا حدث، وكيف يمكن منع تكراره، وبدلاً من الالحاح على مواجهة الارهاب بالتأكيد على استمرار الحياة الطبيعية، اتُخذ قرار معاكس بتعطيل سائر المؤسسات. في اليوم التالي للاعتداءات، ما يمثل خضوعاً للاهداف الارهابية، نجم عن عقل مذعور.
أفضل التعليقات في لحظة الحدث، لم تصدر من جهة الحكومة، بل من جهة الصحافة «العرب اليوم» ومن جهة مجلس النواب «الدكتور ممدوح العبادي» اعطى الاول معنىً سياسياً للحدث الارهابي حيث ربطه بالاحتلال الامريكي للعراق، وأنشأ خللاً أمنياً وفوضى في المنطقة كلها، بينما اطلق الثاني، نداء التحدي ورفع المعنويات وتشجيع الاردنيين في ساعة الشدّة. ولعل رسالة سياسية واعلامية تمزج هذين التعليقين، ان تكون محوراً لموقف وطني، يخرج البلاد من دائرة التساؤل السياسي والخوف معاً.
لم نر الليبراليين -القدامى او الجدد- على المنابر او في الشوارع، بل العشائر والاحزاب والنواب والنقابات ورجال الامن.. اي مكونات المجتمع الاردني التقليدي التي ما انفك الليبراليون الجدد، يسعون الى تفكيكها وإلقائها خارج التاريخ، لصالح فوضى اجتماعية واقتصادية وامنية هي، عندهم، مهاد التحديث والنمو!
لقد أطاحت اعتداءات 9/11 بالليبراليين الجدد وبرنامجهم وسياساتهم وأظهرت مدى ضعفهم وقصور تصوراتهم عن قيادة سفينة البلد وسط العواصف الاقليمية، بينما استعاد المجتمع التقليدي الاردني ، كامل قوته.