العرب اليوم
ناهض حتّر
الكويت وتركيا، في النهاية، شريكتان كاملتان في الحرب الأميركية على العراق… بل إنه، من غير الأراضي الكويتية والتركية، المفتوحة أمام القوات الغازية للتحشيد والانطلاق، يصبح الغزو مستحيلاً، طالما أن السعودية وسورية والأردن، لا تقدم التسهيلات اللازمة…
ولا ينفع الكويت القول إنها لا تملك القرار السيادي برفض المطالب الأميركية…فهي دولة مستقلة وعضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وتتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والتاريخية عن المشاركة في الحرب… ضد العراق… وضد المنطقة! وهي حرب غير شرعية ستقع بقرار أميركي منفرد في مواجهة العالم كله، لا يغطيها قرار دولي ولا قرار عربي… فهي عدوان إمبريالي محض، عدوان لصوصي الأهداف وصهيوني المضمون. وكل من يقدم تسهيلات لهذا العدوان فهو شريك في الجريمة ومسؤول-بالكامل-عن أهدافها ومضامينها.
فهل تريد الكويت أن تنتقم من الثاني من آب 1990؟! هل تعتقد أن الخلاص من النظام العراقي القائم، سوف يؤمن لها الاستقرار؟ يكفي أن يقوم في العراق نظام متأمرك، لكي يكون من مصلحة واشنطن، أن تدعم المطالبات العراقية في الكويت! وبغض النظر عن آلام الماضي، هناك، بالفعل، حالة عراقية-كويتية، لا ترتبط بنظام الرئيس صدام حسين، بل بجملة معطيات جيوبوليتيكية. ومن النافل القول ان حل المشكلات العراقية-الكويتية في الإطار الثنائي و/أو العربي، كان بإمكانه أن يدرأ-من الأساس-التطورات الوخيمة القائمة والقادمة. وقد رفضت الكويت، دائماً، السير في طريق المصالحة والتفاهم الاستراتيجي، وظلت متمسكة بروح الانتقام… غير أن التاريخ لا يرحم… والثمن سيكون غالياً جداً!
نعرف أن الكويت لا تستطيع أن تقول لا للحشود الأميركية، بل إن زج الكويت في الحرب، لم يتطلب من واشنطن أي مفاوضات أو مساومات. وهو، بحد ذاته، وضع مؤلم يطرح أسئلة أساسيّة على الحاضر والمستقبل. ولا نشك بأن هذه الأسئلة الصعبة مطروحة داخل الكويت. صحيح أن الأصوات الثقافية الكويتية العالية هي، بالرغم من أصولها “القومية” و”اليسارية”، تقف على يمين النظام الكويتي…. إلّا أن لدينا المعطيات والثقة بأن الأصوات الحرة المضادة المعبرة عن ضمير الشعب الكويتي، سوف تكسر الصمت وتقول كلمتها في العدوان الإمبريالي الأميركي على الشعب العراقي… وهذا أضعف الإيمان… من أجل الله والتاريخ!
***
ومن أجل الله… والتاريخ، نحن ننتظر بيان الإخوان المسلمين الأردنيين، الشافي والوافي، إزاء ما يقترحه “رفاقهم” الحاكمون في أنقرة. فأولئك الإسلاميون، من “حزب العدالة والتنمية”… الذين أعطاهم الشعب التركي، ثقته تحت رايات الإسلام، يستخدمون تلك الثقة وهذه الرايات، في خدمة الإمبريالية الأميركية والرأسمالية التركية القومية المتعصبة المعادية للعرب!
إسلاميو أنقرة يريدون اغتنام الفرصة لتأكيد ولائهم العميق للأطماع التركية التقليدية في أرض العراق ونفطه… ويخططون-كالاستعماريين-للمساهمة في التفتيت الإثني للشعب العراقي باستيلاد وتطوير العصبية التركمانية في البلد المنكوب، لكي تكون موطئ قدم دائماً للعسكرتاريا التركية، ولا يخجلون من التصريح، علناً بأنهم يتدخلون في الحرب… من أجل قمع الأكراد، وضمان استمرار حرمان هذه القومية المضطهدة من حقوقها في تركيا… وفي المنطقة!
وفوق كل ذلك، ها هم يسعون لتحقيق كل تلك الأهداف المعادية لشعب مسلم، بالمساومة مع الأميركيين على الثمن… لكي يبرهنوا للعسكرتاريا التركية-أن حزب الإسلاميين هو أفضل من يخدم مصالح الحكام الحقيقيين لأنقرة!
إنه لأنموذج سياسي غير أخلاقي يقدمه إسلاميو تركيا، غير عابئين بسمعة الحركة الإسلامية، وصدقيتها، ومستقبلها-بل غير عابئين بالمصالح البعيدة المدى لتركيا، مشعلين المزيد من النار تحت مرجل العداء التركي -العربي.
وتوجد بين تركيا… والعرب، هوة من العداء والهواجس والشكوك، لها جذور عميقة في الحقبة العثمانية، ولكنها تتصلب في عناصر السياسة التركية المعاصرة (التحالف مع إسرائيل، والنهب المائي لدجلة والفرات ما يهدد العراق وسورية بالتصحر، والتهديد الاستراتيجي لسورية، والتدخل في شمال العراق….) وكان من المأمول أن يساهم الإسلاميون الأتراك في تغيير السياسات التركية التقليدية المعادية للعرب، وأن يلعبوا، وهم في سدة الحكم، دوراً في تجسير الفجوة بين تركيا والعرب، من أجل حل الخلافات ودياً، والتأسيس لعلاقات أخوية بين أمتين تعيشان تحت راية الإسلام.
غير أن الإسلاميين الأتراك-ويا للأسف-لم يفعلوا سوى أنهم خدعوا الشعب التركي، واستخدموا التأييد الشعبي للحركة الإسلامية، لكي يصبحوا حكومة العسكرتاريا المتحالفة مع الإمبريالية!
وهو طريق لا يخدم تركيا التي تتركز مصالحها الاستراتيجية مع جيرانها العرب! وستجد نفسها تدفع هي الأخرى ثمناً غالياً جداً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. وستخسر أوروبا والعرب معاً! وستنتهي إلى عزلة في المنطقة مثل عزلة حليفتها إسرائيل وأما موازين القوى… فهي متغيرة. ومن يعرف غداً، كيف ينقلب السحر على الساحر!
***
سوى أن في تركيا ضميراً صاحياً… وأصواتاً عالية تقول: لا للحرب الإمبريالية. وهذه الأصوات هي الرصيد الاستراتيجي لمستقبل العلاقات التركية -العربية.