منزلق خطير ..

تتسرّب أنباء عن تفاهمات ضمنية باتجاه صفقة يعقدها رئيس الوزراء، عبدالله النسور، مع أوساط في المعارضة الإخوانية وحلفائها وعلى رأسهم أحمد عبيدات. ما الصفقة؟ تأجيل الانتخابات العامة، وعودة البرلمان المنحلّ، وإجراء تعديلات على النظام الانتخابي تسمح بمشاركة المقاطعين. وسوف نلاحظ ، توا، أن هذه الصفقة تؤمن مصلحة النسور بتمديد فترة رئاسته حتى نهاية العام 2013، كما تؤمن مصلحة الإسلاميين بإظهار قوتهم، وتعزيز صفوفهم، واستعادة علاقاتهم مع قوى وشخصيات سياسية بدأت تنفك عنهم ، وأخيرا، عزل الانشقاق الإخواني الذي أعلنته مجموعة ‘ زمزم’.
البرلمان المنحلّ الذي طالما كان موضع انتقاد وسخرية ‘ الإخوان’، أصبح مطلبا لهم، وسيكون أعضاؤه مستعدين، سياسيا ونفسيا، لتعديل قانون الانتخابات وفق الاتفاق الذي تجريه المراجع العليا مع المقاطعين. هل سيشارك ‘ الإخوان’ بعد ذلك؟ إجابتي هي كلا؛ فهؤلاء يخوضون معركة استراتيجية مع النظام، وما يريدونه هو المزيد من الوقت لا غير، وإظهار النظام ضعيفا ومهلهلا ومعزولا. وسيحققون ذلك كله في الصفقة مع حكومة النسور، من دون أن يكونوا ملزمين بشيء؛ فالمراوغة تقع في صلب الاستراتيجية الإخوانية، كما تبين التجربة المصرية بجلاء.

منذ أسابيع فقط، كانت الصفقة مذمومة ـ بالنظر إلى نجاح عملية التسجيل في سجلات الناخبين وشروع أوساط سياسية شعبية بالتحضير لخوض المعركة الانتخابية ـ ولكنها أصبحت تمثّل اليوم ‘مخرجا’؛ فالقرار الحكومي الفظ بزيادة أسعار المشتقات النفطية من دون دراسة ولا حسابات ولا ضرورة، وردة الفعل الشعبية العنيفة على ذلك القرار، والاعتقالات، والمناخ السياسي المتشكل لاحقا، فتّ في عضد المشاركة، ودفع بأوساط شعبية واسعة إلى المقاطعة.

هذا المناخ مصطنع بالكامل. اصطنعه النسور قاصدا متعمدا، من خلال الحاحه على اتخاذ إجراءات مالية قاسية بطريقة متهورة، أدت إلى غضب اجتماعي سياسي، تراجعت أشكال التعبير عنه، من دون أن يتراجع مضمونه الأساسي؛ فالشعور الجمعي الأردني توصل الآن إلى نقطة حرجة للغاية، تجاوزت حدود الاحتجاج الاجتماعي إلى انهيار الثقة العامة.

فالحكم الذي يمارس الضغوط الاقتصادية على الأغلبية، يتراخى عن معالجة ملفات الفساد التي أصبحت متداولة بالتفاصيل لدى معظم الأردنيين، وهو يحمي الفاسدين ـ بحجة غياب الأدلة والحصانة القانونية إزاء اغتيال الشخصية ـ لكنه لا يتورع عن الزج بمئات الشباب في السجون من دون أدلة كافية للتهم المنسوبة إليهم ، ومن دون الالتزام بالحصانة القانونية إزاء حرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر الخ .

أتاح هذا المناخ الذي صنعه النسور لإطالة عمر حكومته ـ للأجندات المعادية، أن تتسلل إلى الحياة السياسية الأردنية، بما في ذلك تحركات وطروحات بالغة الخطورة، تسعى للانحراف بالحراك الشعبي عن برنامجه الوطني الاجتماعي إلى خدمة أجندات خاصة وشخصية ، و العمل على ترويج ترتيبات سياسية مطبوخة لدى دوائر أميركية وقَطرية.

لقد وصلت البلاد إلى منزلق خطير، بحيث أن برنامج الإنقاذ الذي كان كافيا قبل شهر واحد، لم يعد الآن كذلك. هل من مخرج؟ سنرى غدا.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.