ناهض حتّر
الشيء المشترك بين خبراء صندوق النقد الدولي وبين سلاطين الليبرالية الجديدة المحليين، ان الفريقين لا يهتمان، اطلاقاً، بالآثار الاجتماعية الفادحة الناجمة عن السياسات الاقتصادية المصممة لاحداث النمو على حساب افقار المجتمع وتهديم الدولة. ومنها ما ورد في تقرير «الصندوق» حول الاقتصاد الاردني. وقد دعا – في دعم صريح لمطالب الليبراليين الجدد المحليين -: الى «توسيع القاعدة الضريبية» وازالة الاستثناءات بشكل عام» وتأكيد «مبدأ النسب الضريبية» الموحدة. وترجمة ذلك في اصدار قانون جديد لضريبة الدخل على أساس شمول الفقراء، والتشدد مع الفئات الوسطى، «ومساواتها» – في النسبة الضريبية الموحدة – مع الفئات الرأسمالية. وهو ما يعني – بالمحصلة – تحميل أعباء الموازنة للأغلبية الشعبية.
يتفق الفريقان، أيضاً، على «التخلي الكامل عن دعم المحروقات» وهو ما يعني البرد والجوع بالنسبة لمئات الآلاف من المواطنين. وارتكاب هكذا جريمة لا يهم هؤلاء، طالما ان نسبة النمو قد وصلت، العام الماضي، الى 7.2 بالمئة! انه، بالطبع، نموّ يذهب الى جيوب الاقلية من الرأسماليين المحليين والأجانب. والمطلوب من الحكومة منحهم المزيد من التسهيلات والاعفاءات والاجراءات، لدعم «الصناعات الموجهة نحو التصدير» في «المناطق الصناعية المؤهلة» والتي تعزز احتياطي الدولار، وتؤمن الأرباح للمستثمرين، من دون ان تؤسس قاعدة تقنية وعمالية ومشاريع متعاضدة للصناعة الوطنية. فالصناعات التصديرية في بلادنا هي مستوردة بالكامل، بما في ذلك معظم الأيدي العاملة. وهي لا تقع في باب التصنيع – التحديث الذي يقوم على تراكم رأس المال الوطني وتعاضد الصناعات والخدمات المحلية الرديفة وتكوين الخبرة المحلية والعمالة المؤهلة. بل هي تقع في باب النشاطات الكمبرادورية التي محورها هو «التصدير» وليس «التصنيع» بكل ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يهنىء «الصندوق» الاردن على استمرار ربط الدينار بالدولار، غير آبه بما يسببه ذلك من ارتفاع هائل في فاتورة مستورداتنا. ومعظمها باليورو أو الين أو اليوان. اننا ندفع ثمن السلع والخدمات بالمستوى الامريكي ولكن من دون ان نحصل على الدخول الامريكية، ونراكم المديونية، ولكننا – بخلاف الولايات المتحدة – لا نطبع الدولارات!
لماذا لا نربط الدينار بسلة عملات؟ يقول «الصندوق»: لا.
لان ربط الدينار بالدولار الرخيص، يساعد الصادرات، وبالمحصلة، فان المجمتع الاردني هو الذي يدفع الثمن، لانه لا يفيد من العملية التصديرية الكمبرادورية، ولكنه يستهلك السلع المستوردة من اوروبا واليابان والصين!
الزيادات في الرواتب ممنوعة حتى اشعار آخر، لانها ترهق الخزينة «وتزيد الكلف أمام القطاع الخاص» الذي ينبغي – من وجهة نظر «الصندوق» والليبراليين الجدد على حد سواء – تعزيزه عن طريق تسريع «خصخصة المؤسسات الحكومية»! فماذا بقي بعد الاتصالات والاسمنت والفوسفات الخ؟! الذي بقي هي المؤسسات الخدمية: التعليم والطبابة الخ حسناً عاش النمو! وليذهب الفقراء الى الجحيم! إلا انه علينا ان ننتبه ان «القطاع الخاص» المطلوب تعزيزه، لم يعد ذلك القطاع المحلي. انه قطاع خاص أجنبي معولم مكون من «المستثمرين» الاجانب ووكلائهم «الكمبرادوريين».
* * *
ومع ذلك: هناك فارق بين «الصندوق» والليبراليين الجدد «فالصندوق» يريد تلك السياسات الاقتصادية المتوحشة من أجل «إزالة العجز المالي وتخفيض حجم الدين للوصول الى مستوى ثبات مقبول من الدين» أي – عملياً – لضمان مصالح الدائنين في حين ان الليبراليين الجدد غير مهتمين بتخفيض العجز أو الدين، بل يسعون الى تفاقمهما. فما يريدونه، في الأخير، هو ملء الجيوب حتى التخمة.