ناهض حتّر
على الرغم من كل الحراك الدبلوماسي الذي تفور به الساحة العربية، ليس هناك – للأسف – ما يدعو الى التفاؤل بانطلاق ديناميكية سياسية جديدة قادرة على انقاذ المنطقة من الانهيار.
والخلل الرئىسي، في رأيي، يتعلق بالمقاربة المسيطرة في الحوار العربي – الامريكي، والقائمة على فكرة مبادلة فلسطين بالعراق. وهي مقاربة ترى ان حلاً عاجلاً للقضية الفلسطينية سوف يغير صورة الولايات المتحدة في العالم العربي – وفي العراق نفسه! ويمهد الطريق امام الاستقرار ونجاح المشروع الامريكي العراقي – الشرق اوسطي، بل ربما تكوين جبهة امريكية – عربية – اسرائىلية لاحتواء الخطر الايراني.
لدينا، اولاً، المشكلة التقليدية المتعلقة بالنوايا الاسرائىلية ازاء الانخراط في عملية سلمية جدية تؤدي الى قيام دولة فلسطينية في حدود ال¯ 67 والتوصل الى حل ما لقضية اللاجئين. ومع ذلك، سوف افترض – للمجادلة فقط – انه يمكن قطع خطوات عاجلة في هذه الطريق، فهل سيؤدي ذلك الى تغيير المعادلة العراقية؟
القضية العراقية هي، في النهاية، قضية مركزية قائمة بذاتها. وهي تؤثر على المحيط العربي والاقليمي بمقدار وربما بأكثر مما تتأثر به. والقضية العراقية، تتفاعل على ثلاث مستويات – مترابطة – هي الاحتلال وانهيار الدولة والتدخلات الاقليمية. ولدى العراقيين نزعة استقلالية اصيلة لا يمكن كبحها ولا يمكن، بالتالي، التوصل الى الاستقرار في العراق من دون رحيل الاحتلال عسكرياً وسياسياً. اما التصدي للتدخلات الاقليمية، فهي مهمة لا تستطيعها الا الدولة العراقية الجديدة، المرهون بناؤها بقيام عملية سياسية وطنية تستثني القوى المذهبية والعميلة. ومن الواضح ان حل القضية العراقية، اذن، يتطلب معالجة مختلفة جذرياً، تنطلق من حق العراقيين في تقرير المصير في اجواء حرة من ضغوط الاحتلال والتدخلات.
لكن ما نراه الآن هو نوع من التهور نحو الهاوية. فالامريكيون منقسمون بحدّة حول العراق. ويدفع “الديمقراطيون” باتجاه “جدولة الانسحاب” بغض النظر عن ايجاد الاطر الملائمة لمعالجة الكارثة التي تسببت بها واشنطن في العراق، بينما يلح “البيت الابيض” على البقاء بأي ثمن، بما في ذلك القيام بخطوة مجنونة لتوسيع الحرب باتجاه ايران.
وعلى الرغم من النفي الامريكي المتواصل، فان لدى الروس معلومات استخبارية تتحدث عن ضربة امريكية ضد الاهداف النووية والعسكرية الايرانية، مطلع نيسان المقبل. وبغض النظر عن الموعد فان الاحتمال نفسه غير مستبعد. ومن المرجح انه سيقود الى حرب جديدة في الاقليم، ذلك ان طهران لن تقف مكتوفة الايدي.
وسوف تردّ على الهجمات الامريكية، بهجمات مضادة ضدّ اسرائيل، كما ضد القوات الامريكية في العراق والخليج. وعندها لن تكون هناك اجواء مناسبة لتحريك عملية السلام العربية – الاسرائيلية، او انها ستبدو، حين ذاك، وكأنها اطار سياسي للتحالف ضد ايران. وهو ما سيفجر التناقضات في المنطقة كلها، ويعصف بالمصالحة الفلسطينية، ويقود الى تصعيد جديد في لبنان.
هنا، علينا ان نلاحظ ان الولايات المتحدة وحلفاءها اللبنانيين، يعرقلون جهود المصالحة في هذا البلد بإلحاح ربما يرتبط بآفاق الحرب الشاملة الموعودة ضد الايرانيين وحلفائهم في لبنان وسورية.
هل يعني ذلك ان التركيز العربي على استغلال الفرصة لحل القضية الفلسطينية ليس صحيحاً؟ كلا. ولكن المقاربة التي تتجاهل القضايا الاخرى والغامها، هي الخاطئة، وتقود الى توظيف القضية الفلسطينية في خدمة السياسة الامريكية، بدلاً من العكس، اي توظيف ازمة الامريكيين في العراق والمنطقة لصالح فلسطين.