مع هيكل (2-2)

ناهض حتّر
ينتمي هيكل الى الجناح الاكثر عقلانية وراديكالية من النخب العربية المسيطرة. وقد بدا -في حديثه الى «الجزيرة»- غاضبا جدا، غضبا يستحثه التقريع والحسرة على درجة التردي التي وصلت اليها هذه النخب، ومع ذلك -بل قل؛ بسبب ذلك- لم يستطع ان يغادر صفوف هذه النخب- وهي موضع غضبه الى آفاق المغامرة التاريخية.

ولسوف نظلم رجلا تعدى الثمانين، اذا نحن طالبناه بالتخلي، في هذه السن- وبعد هذه التجربة الطويلة- عن مواقعه الطبقية ورؤاه وعاداته الفكرية- وحتى ضعفه الانساني.

لكن ذلك لن يمنعنا من الاستنتاج ان النخب العربية المسيطرة -وهذه تشمل تلك الحاكمة و«المعارضة» معا- لم تعد قادرة -حتى في افضل اجنحتها وتعبيراتها- عن تقديم رؤية متماسكة للمستقبل.

بدا هيكل مترددا في منح حزب الله، درجة النصر. وكأن الجدل حول النصر هو جدل احصائي او تقني او اخلاقي. كلا، انه جدل سياسي صراعي بامتياز.

لدينا حقيقتان نجمتا عن الحرب اللبنانية -الاسرائي¯لية. لا تحتملان الجدل- (1) الكارثة الانسانية والمدنية التي حلت بلبنان جراء القصف الانتقامي الاجرامي الاسرائي¯لي، (2) والنصر الميداني الذي تحقق بالصمود والمقاومة.

ومن البدهي ان تركز قوى النظام القديم على «الكارثة»، لكي تستنتج ان طريق المقاومة باهظ التكاليف الى درجة لا يمكن احتمالها. وهي تقترح، بالتالي، العودة الى الاندراج في النظام الاقليمي لما قبل 12 تموز.

بالمقابل، فان قوى المقاومة، تركز على النصر، لكي تستنتج ان طريق المجابهة مع التحالف الامريكي-الاسرائي¯لي.. مفتوحة..

هذا موقفان متضادان متصارعان سياسيا. ويريد هيكل، التشبث بموقف ثالث، وسط، بينهما. ولذلك، تردد وارتبك، واقترح ان يكون لبنان، «سويسرا العرب» ومقرا للجامعة.. وكل شيء آخر يعبر عن تقدير الامة للبنان.. ما عدا ان يكون منطلقا للمقاومة!

وبطبيعة الحال، سوف يظلم التاريخ، لبنان، ظلما فادحا، اذا هو بقي يصول ويجول في هذا البلد الصغير، مبطئا توسيع خطاه الجبارة الى الاقليم.

لكن ماذا نفعل اذا كان انفجار النظام الاقليمي القديم، قد حدث -بسبب جملة من الوقائع والتطورات والتعقيدات- في لبنان، ومن لبنان؟

لدينا -مثلما كتبنا مرارا هنا- اقتراحات اخرى تنطلق من الامكانات التاريخية، وتفّعلها:

– على ايران اشعال جبهة العراق ضد الاحتلال الامريكي؛

-وعلى سورية ان تختار، نهائيا، طريق المقاومة في الجولان؛

– وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية تجديد نفسها في انتفاضة جديدة، لا في سياق اوسلو بل ضدها

– وعلى الشعوب العربية الاندراج في حراك سياسي جديد، يعيد بناء السياق التحرري الديمقراطي العروبي.

Posted in Uncategorized.