مع السلامة

ناهض حتّر
هدد مستثمرون صناعيون، علناً، الحكومة بأنهم سَيُرحّلُون استثماراتهم الى بلدان اخرى، اذا لم تجر الاستجابة لمطالبهم! والتهديد، بحد ذاته، يفضح هؤلاء ويكشف مدى “وطنية” هذا القسم، الاكثر طليعية – نظريا – من القطاع الخاص الجديد، الذي يتصف بانعدام الولاء للوطن والمجتمع، وفي الوقت نفسه التغول على الدولة.

اما مطالب المستثمرين.. فهي عديدة. ومنها الغاء آخر الرسوم الجمركية على مدخلات الانتاج، وتخفيض – وربما الغاء – ضريبة الدخل، وتحرير سوق العمل (الاستيراد الحر للايدي العاملة الاجنبية)، وخفض الحد الادنى للاجور، وخفض العطل الخ وباختصار، فان هؤلاء المستثمرين لا يريدون الالتزام بأي شيء نحو ا لخزينة او الاقتصاد الوطني او المجتمع. وينبغي ان نقول لهم، اذن، «مع السلامة». لكن وزير الصناعة والتجارة، شريف الزعبي، طمأنهم. ووعدتهم الحكومة الكمبرادورية – وقد بدأت بالتنفيذ فورا – ب¯ «حزمة جديدة من التسهيلات».

لا اعرف ما الذي يفيده الاقتصاد الوطني من هذه الاستثمارات التي تقوم، محلية ام اجنبية، على اقتراض ودائع الاردنيين، واستهلاك البنى التحتية والموارد الوطنية (الارض والمياه..) بابخس الاثمان، والتمتع بالحراسة المجانية، واستخدام مدخلات انتاج مستوردة معفاة، وتشغيل ايدٍ عاملة اجنبية، وتحقيق ارباح (معفاة ضريبيا) عن الصادرات، وضخ هذه الارباح الى الخارج او الى القطاع العقاري والمضاربات على الاسهم!.

الهدف من تشجيع الاستثمار ليس اتاحة فرصة الربح – بلا حدود – للمستثمرين. هذا هو هدفهم، وبالمقابل، فانه من المتوقع ان يفيد الاقتصاد الوطني على عدة مسارات اهمها: (1) الضرائب (التصاعدية) لتمكين الدولة من تجديد البنى التحتية وتمويل البرامج الاجتماعية (2) تراكم رأس المال والخبرة اي تدوير الارباح في استثمارات جديدة متشابكة وتدريب المديرين والفنيين والعمال (3) توليد فرص العمل ضمن معادلة وطنية للاجور العادلة، لا غنى عنها (اي هذه المعادلة) لضمان تجديد قوة العمل وتشغيل وتوسيع الاستهلاك الداخلي.

ومن دون تحقيق هذه الاهداف الاساسية، ما هي حاجتنا، اذن، ل¯ تشجيع المستثمرين الذين لا يعجبهم كل ما تقدمه الدولة الاردنية من تسهيلات، ربما لا توجد الا في المناطق الحرة.

ان عقلية «تشجيع الاستثمار» المسيطرة في بلدنا، وصلت الى حدّ بيع جواز السفر الاردني – للراغبين – بعشرين الف دولار لاغير! مع المزيد من هؤلاء «المستثمرين». وهذه «الاستثمارات»، سيكون لدينا المزيد من البطالة وتفكيك رأس المال المحلي، وتلاشي الخبرة الادارية والفنية والعمالية – بدلا من تراكمها – والمزيد من الفقر، والمزيد من المديونية العامة لمعالجة البطالة والفقر وتحلية المياه وجرها والانفاق على البنى التحتية. وكل ذلك يدفع الشعب الاردني ثمنه لمصلحة «المستثمرين». مرة اخرى: مع السلامة!.

Posted in Uncategorized.