العرب اليوم
مظلة سياسية للمقاومة العراقية
ناهض حتّر
لم تجرؤ أية جهة عربية، رسمية أو أهلية، حتى الآن، على إعلان تأييدها للمقاومة العراقية. وهناك – كما نلاحظ – فعاليات وأقلام تتعاطف مع المقاومين، ولكنها تغرق أمام سيول الحبر الكولنيالي. إن هناك جيشاً من أنصار الاستعمار الأميركي في العالم العربي. هذا الجيش من السياسيين والصحافيين و”المفكرين” والنشطاء الأمينين… هو الرديف الأساسي لجيش الاحتلال الأميركي–البريطاني في العراق. ولكن مع ملاحظة أن الجيش الرديف هو في وضع هجومي، بينما الجيش الاستعماري هو في وضع دفاعي!
أيعود ذلك إلى الالتباسات السياسية في البلد العظيم المحتل؟! لابد من الاعتراف بأنه لا يوجد إجماع وطني عراقي على المقاومة المسلحة. غير أن ذلك–بحد ذاته– ملتبس أيضاً. وهو معطى مؤقت ناجم عن التدخل الأمني-السياسي الكثيف للملالي الفرس. وهؤلاء ينطلقون من استراتيجية معادية للدولة العراقية، ولا يتعلق إلحاحهم على منع الشيعة من ممارسة الكفاح المسلح ضد الأميركيين، بالمساومات الرخيصة بين طهران وواشنطن، فقط. كلا. إنهم يسعون إلى الآتي: (1) تفكيك الدولة العراقية طائفياً (2) السيطرة على العراق من خلال تحويل، الشيعة إلى طائفة مغلقة، واستخدامها أداة للتوسع الفارسي. وسيجعلنا ذلك نفكر، مرة أخرى، في أن الحرب التي شنها نظام الرئيس صدام حسين ضد الملالي الفرس، لها شرعيتها التاريخية. إلّا أنه يحق لنا أن نسأل أيضاً لماذا كان النظام العراقي السابق معزولاً إلى هذا الحدّ عن جماهير الشيعة؟ وما هي أسباب التخلف الثقافي المتجذر في أوساط هذه الجماهير بحيث تتعلق حركتها السياسيّة… بالفتاوى… وبهيمنة رجال الدين والقيادات الطائفية المشبوهة ؟!
نحن نعتقد أن مبادرات المقاومة المسلحة المنطلقة من أوساط العرب السنة في العراق، ليست ناجمة عن كونهم “سنة” بل هي تعبير عن تحررهم (النسبي) من سيطرة رجال الدين، وشعورهم القويّ بأنهم لا ينتمون إلى طائفة بل إلى الدولة العراقية.
من الواضح أن جماهير الشيعة تتجه، ببطء، إلى التحرر من هيمنة الملالي. وهذا هو الرهان الأساسي للمقاومة العراقية التي أنجزت، حتى، الآن الجانب السلبي من مهماتها التاريخية. وهو جانب الهدم. لقد أصبح مؤكداً، الآن، أن المشروع الأميركي في العراق، ليس ممكناً. وقد سقطت آلاف الأكاذيب البرّاقة التي أطلقها الأميركيون وأصدقاؤهم في الوحل. ولم يعد العراق “أنموذجاً” لإعادة البناء والازدهار والديمقراطية! إنه–الآن– على حدّ تعبير رئيس الإدارة الاستعمارية في العراق، بول بريمر، “ساحة حرب ضد الإرهاب”. متجاهلاً أن الغزاة الأميركيين هم الذين خلقوا هذه “الساحة”!
الآن، إذا نهضت المقاومة المسلحة في “البصرة” أيضاً، فربما نكون إزاء تطور سياسي. فمن المهم جداً–الآن-أن يتحد المزاج الوطني في العراق العربي، ويكون العراقيون قادرين، بالتالي، على النظر صوب المستقبل. إن نظام الرئيس صدام حسين انتهى بالفعل، ولكن القواعد الاجتماعية والسياسية لهذا النظام الذي حكم العراق حوالي الأربعة عقود، ينبغي أن يكون لها دور ما في المستقبل، في إطار ائتلاف وطني-ديمقراطي. وهناك، بالفعل، ما يجمع العراقيين: وحدة العراق وسيادته على ثرواته وحريته في إطار الدولة الوطنية.
لن تنظر أغلبية العراقيين إلى المقاومة بوصفها “إرهاباً” يمارسه تحالف “الشريرين”، صدام حسين وأسامة بن لادن. فالمقاومة تغرف من معين جبار–هو معين الكرامة الوطنية. وهو عامل غير منظور ولكنه حاسم. ومن هذا المعين تنطلق الطاقات النفسية الهائلة اللازمة للقيام بالكفاح المسلح. والذين ينظمون هذه الطاقات الآن غير قادرين على “احتكارها”.
***
من الضروري أن يبادر المثقفون الوطنيون العرب إلى التدخل في المسار العراقي، وفي ثلاثة اتجاهات:
- الدفاع عن المقاومة العراقية، وحفز القوى السياسية للاعتراف بها ممثلاً للعراق، في مواجهة سعي النظام العربي إلى الاعتراف بـ “مجلس الحكم” العميل، والتعاطي، بالتالي، مع “شرعية” الاستعمار الأميركي للعراق.
- فضح وتعرية الاحتلال الأميركي في العراق، أهدافه اللصوصية وجرائمه وعجزه.
- المبادرة إلى حوارات جدية ومعمقة وتصالحية مع المثقفين الوطنيين العراقيين، لإيجاد “مظلة سياسية” عراقية وعربية، للمقاومة العراقية، وحفز قوى المقاومة الميدانية على إعلان برنامج ديمقراطي للمستقبل.