كان العدوان الإسرائيلي على غزة، في وجه من وجوهه، امتحانا لصدقية ولاء الرئيس المصري، محمد مرسي، للتحالف مع الولايات المتحدة والسلام مع إسرائيل. وقد نجح مرسي بالامتحان بجدارة، مما استوجب تقديم التهنئة والشكر له من قبل وزيريّ خارجية الثنائي الأميركي الصهيوني؛ كلنتون وليبرمان.
قدم مرسي للفلسطينيين ما كان يقدمه سلفه حسني مبارك ( استدعاء السفير والزيارات التضامنية والفتح الجزئي لمعبر رفح للحالات الإنسانية والوساطة مع المعتدين)، لكنه قدّم للإسرائيليين ما لم يجرؤ مبارك على تقديمه: ضمانات مصرية لوقف المقاومة الغزيّة وتنسيقا أمنيا لمنع السلاح من التدفق إلى غزة، بل إنه فاجأ تل أبيب بالموافقة على طلبها القديم لتركيب شبكة مراقبة إلكترونية على الحدود تكفل للعدو مراقبة سيناء كلها.
متسلحا بهذا النجاح الكبير في خدمة واشنطن وتل أبيب، استدار مرسي إلى الداخل، وقام بانقلاب شامل على الشرعية وسيادة القانون، ومنح لنفسه صلاحيات مطلقة غير خاضعة لأي محاسبة قانونية من أي نوع. وبذلك، يكون مرسي قد جمع في يده السلطات الثلاث معا؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتحوّل إلى دكتاتور بلا رتوش على طريقة الحاكم بأمر الله.
يُقال إن هذه الدكتاتورية الفردية التي لا يضبطها دستور ولا قانون، مؤقتة. وهي كذلك فعلا، إلى حين تأمين إصدار دستور جديد للبلاد مكتوب من قبل هيئة ـ مطعون في شرعيتها لدى القضاء المغدورـ وقد قاطعتها كل القوى السياسية والاجتماعية المصرية، وأصبحت حكرا على قوى الإسلام السياسي بلا شركاء. هذا الدستور ـ الذي سيكون مطعونا بشرعيته أيضا ـ هو الذي سينظّم الدكتاتورية الدائمة لقوى الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين في مصر.
على المستوى السياسي والإداري، للدكتاتورية الفردية المطلقة لمحمد مرسي، وظيفة أكبر. وهي إعادة تشكيل أجهزة الدولة ( الجيش، الأمن، الإدارة، الإعلام، والقضاء ) على أساس هيمنة الجماعة على رجالها وقراراتها. وإذا ما أضفنا إلى ذلك هيمنة رجال الأعمال من مليارديرية ‘الإخوان’ بقيادة خيرت الشاطر على الاقتصاد المصري، سيكون من المسلّم به ـ بالنسبة للقوة التي تحوز كل هذه السلطات والنفوذ والأموال والدعم الغربي الخليجي ـ تأمين نتيجة أي انتخابات لاحقة. وهكذا، تتجه مصر لإعادة انتاج أنظمة الخليج، ولكن بالجماعة الحاكمة بدلا من الأسر الحاكمة.
منذ اللحظة الأولى لإعلان قرارات مرسي الدكتاتورية، عادت طلائع الثورة الديموقراطية الشعبية إلى ميدان التحرير، وكل ميادين الحرية في مصر. ونحن واثقون أن الشعب المصري سوف يقتلع الدكتاتورية الفاشية ويحرر مصر من النفوذ الأميركي الخليجي التركي.
تضع هذه التطورات، الإخوان المسلمين الأردنيين أمام مأزق سياسي وأخلاقي؛ فملك الأردن لا يتمتع ببعض الصلاحيات التي استحصل عليها الرئيس الإخواني في مصر، والدستور الأردني هو نموذج متحضر إذا ما قورن بالوثيقة الدستورية التي يعدها ‘الإخوان’ المصريون. وبينما تتمتع الدولة الأردنية باستقلال نسبي، يزداد قوة، عن النظام السياسي، تتجه الدكتاتورية الإخوانية إلى اخضاع الدولة كليا للنظام واخضاع النظام للجماعة. وبينما تترسخ التعددية الاجتماعية والثقافية والفكرية في بلدنا، يسعى الإخوان والسلفية في مصر إلى فرض نموذج واحدي.
نحن، بالطبع، غير راضين أبدا على مستوى التقدم الأردني، وسنظل نناضل من أجل الديموقراطية السياسية والاجتماعية والتعددية الثقافية وسيادة القانون واستقلال القضاء، لكن على كل المؤمنين بهذه الأهداف، الانتباه إلى ما أظهره النموذج المصري: لا يؤمن ‘ الإخوان’ بالديموقراطية إلا كوسيلة لضمان إنشاء الدكتاتورية الفاشية المتجذرة في صلب الفكر الإخواني كما صاغه سيد قطب .
العرب اليوم