ناهض حتر
خصصت مجلة “نيوزويك” غلاف عددها الاخير لتساؤل كبير في مصر، وحولها: «ما بعد مبارك» وعنوان المقال في الداخل اكثر تحديدا: «مستقبل مصر من دون مبارك» ويلفت ذلك، بحد ذاته، الى ان قضية الخلافة في اكبر بلد عربي، اصبحت محل تداول الصحافة والاوساط السياسية الدولية، وتحديدا الامريكية.
الولايات المتحدة تهتم بمصر اهتماما استثنائيا، فالعلاقات التحالفية مع القاهرة، تمثل حجر الاساس في مجمل السياسة الامريكية في الشرق الاوسط. ومن الطبيعي ان يبدأ الصحافيون والباحثون الامريكيون، الاقتراب، اكثر فاكثر، من المشهد المصري الراهن المكتظ بالاحتمالات.
تنقل النيوزويك، بقلم كرستوفر ديكي، مشاعر القلق في مصر ازاء احتمال غياب الرئيس حسني مبارك «78 عاما» وهذا القلق يعتري الموالين والمعارضين على حد سواء.
ويتساءل ديكي – نقلا عن المصريين – عما اذا كانوا – بعد مبارك – «سيتحررون، ام سيصبحون مقيدين اكثر» هل ستنتقل السلطة من الاب، الى ابنه جمال مبارك «42 عاما». كما يتوقع الكثيرون؟ ام الى الجيش؟ ام الى الاسلاميين؟ ام هل ستغرق البلاد في فوضى فيما يتنافس كل «الفرقاء»؟.
وهذه هي بالفعل القوى الرئيسية في مصر .. وبالتالي فان الاسئلة حولها هي الاسئلة الرئيسية حول ما بعد مبارك.
غير ان ديكي لم يتعمق في فهم المعادلات الحساسة، والجدل الداخلي القائم بين الفرقاء فجمال مبارك الذي يمثل خط الليبرالية الجديدة «ايديولوجية الخصخصة» يلقى الدعم من رجال الاعمال والقطاع الخاص والمثقفين الليبراليين، لكنه لا يحظى بدعم المؤسسة العسكرية المصرية – وهي عماد السلطة في مصر، والحارس الامين على تقاليد الدولة المصرية وسياساتها الخارجية وامنها القومي.
وهذا ما يصعب عملية انتقال السلطة من الاب الى الابن، على خلفية سياسية مستقرة في الشارع، ترفض التوريث السياسي. لكن الجيش المصري ليس لديه برنامج للحكم، ولا تجمعه عقيدة سياسية – كما كان الحال بالنسبة الى الضباط الاحرار في 1952 – وهو تحول الى المحافظة، واقرب، من الناحية الثقافية، الى الخط الاسلامي، من دون ان يعني ذلك ان في داخله نفوذا للجماعات الاسلامية «من يدري؟».
الاسلاميون – بدورهم- يدركون ان ميزان القوى على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي لا يتيح لهم الانفراد بالسلطة في مصر لكن لا توجد قوة اخرى تستطيع ان تحكم مصر الان من دونهم او بالصدام معهم.
وهذه الصورة المعقدة، قد تؤدي، بحد ذاتها الى حل يجنب البلاد الفوضى. وقد يفرض نفسه بالتالي على الفرقاء كما على الامريكيين وهذا الحل، قد يتبلور من خلال شراكة في السلطة تجمع جمال مبارك «الليبراليين الجدد» والاسلاميين والجيش.
لا يوجد تناقض بين الليبراليين الجدد وبين الاسلاميين على المستوى البرنامج الاقتصادي الاجتماعي، فالاسلاميون يؤمنون ايضا بالخصخصة وبالدور القيادي للقطاع الخاص، وحرية التجارة وتفكيك ما بقي من القطاع العام الانتاجي والخدمي، ويتميزون عن الليبراليين الجدد، بأنهم يملكون تصورا لادارة الفقر الناجم عن سياسات الخصخصة من خلال شبكات العمل الخيري.
واذا ما توصل هذان الفريقان للتفاهم، وضمنا للجيش استمرار دوره المركزي في ادارة السياسات الخارجية والامنية، فربما يكون للفرقاء الثلاثة الرئيسيين مصلحة للجلوس على طاولة التفاوض ورسم صورة الخلافة.
التعديل على المادة 76 من الدستور المصري اتاحت حرية الترشح لمنصب الرئيس من قبل زعماء الاحزاب لمرة واحدة فقط انتهت وتتطلب الترشيحات الآن، ان يمتلك الحزب نسبة من النواب واعضاء مجالس المحافظات لا تتوفر إلاّ للحزب الوطني الحاكم.
وفي ايلول المقبل سوف ينعقد مؤتمر الحزب الوطني والذي يحاول جمال مبارك، تحويله الى حزب سياسي فاعل، وليس مجرد واجهة سلطوية- وسوف ينتهي المؤتمر كما هو مقرر، بارتقاء جمال مبارك الى زعامة الحزب وفي هذه الحالة، سوف يكون هو المرشح الوحيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ذلك لانه لا يوجد حزب اخر يملك النسبة الكافية من النواب واعضاء مجالس المحافظات، لتقديم مرشح رئاسي إلا من داخل الحزب الوطني نفسه وقد يقدم الحزب الوطني بالفعل، مرشحين، احدهما صورياً او تعبيراً عن انشقاق بين الحرس القديم والحرس الجديد وقبل ذلك، سيكون على جمال مبارك ان يرتب تحالفاته مع الجيش والاسلاميين لضمان ترئيسه.
بالمعنى البيولوجي سيكون جمال وريثاً لحسني مبارك، لكن، بالتأكيد ليس بالمعنى السياسي. فبينما كان الاب تعبيرا عن سيطرة القوات المسلحة وممثلها، فان الابن سيكون تعبيرا عن القطاع الخاص وممثلاً لرجال الاعمال.
وهذه الصيغة تبعث على تشاؤم الاصلاحيين الديمقراطيين، لأنها تسمح باعادة انتاج النظام، وتعزيزه، وتصليبه باصطفاف القوى الرئىسية الثلاث في المجتمع المصري: رجال الاعمال والاسلاميين والجيش.
وهذا يعني تنظيم صفوف «السلطة» وتحريم المشاركة الشعبية او تدخل المجتمع المدني، في اطار لعبة توزيع الادوار: الليبراليون الجدد للبزنس والاسلاميون للثقافة والمجتمع، والجيش للامن الوطني والسياسة الخارجية. وبذلك يكون التغيير الديمقراطي المأمول في مصر قد وضع في الثلاجة لامد طويل. الا اذا حدث انفجار شعبي يقلب المعادلات.
ونعود الى ديكي «نيوزويك» لنقرأ الآتي: «ان استقرار المنطقة، وما تبقى من السياسة الامريكية الهشة هناك، يعتمدان على انتقال منظم للسلطة – مصر – وهذه الملاحظة تجعلنا ميالين الى ان واشنطن ستبارك اي تفاهم تعقده القوى المصرية الرئيسية الثلاث من اجل التفاهم على اقتسام السلطة.
اذا جرى «التفاهم» بين قوى الامر الواقع في مصر بمباركة واشنطن، فان الخلافة قد لا تنتظر قدر اللّه وقد تحدث في حياة الرئيس حسني مبارك.