مشهد دامٍ

كيف نعرّف غياب الدولة وتشظي سيادة القانون ومقدمات الفوضى؟ لدينا مثال ـ من بين عشرات الأمثلة ـ وخلاصته أنه أصبح بإمكان بضعة أشخاص، بل، أحيانا، مجرد شخصين فقط، إثارة مشكلة أمنية بظلال سياسية وجهوية. أليس هذا ما حدث أمام منزل الرئيس عبد الرؤوف الروابدة؟
بصراحة، اسم الروابدة ليس مطروحا في قائمة المسؤولين التي تبلور ضدها إجماع شعبي. فجأة، غابت تلك القائمة المعروفة من 13 اسما من الليبراليين الجدد وأهل الديجتال والخصخصة، عن ميدان الرماية الشعبية، وحلت محلها شخصيات ليست مطلوبة، بل يحظى بعضها بتأييد ليس قليلا مثل الروابدة.

بضعة متشنجين ـ ولا نعرف ما هي دوافعهم الحقيقية ـ قرروا الاعتصام عند منزل الروابدة، حضر منهم اثنان فقط، لكن المفاجأة تمثلت في أن الرئيس نفسه، أغفل الشرطة، واستعان بمئات من أنصاره، لفضّ اعتصام مكون من شخصين نزل عليهما غضب جماهيري منفلت من كل حس بالمسؤولية. وصادف أن أنصار الرئيس من منطقة ورئيس الاعتصام من منطقة أخرى، وهات حيّكها مع الجنون الجماعي للفوضى الآتية!

ليس من حق أحد أن يصنّف الناشطين في خانات، لكن هناك، لكل فضاء سياسي مرجعيات معيارية، من دونها لا تكون هناك سياسة أصلا. والمرجعيات التي نقترحها هنا لا بد أن تكون

(1) موضوعية، أي تتصل بظروف البلد وحساباته في السياق الإقليمي والدولي، ولا تتصل بآراء أي كان. والأردن يواجه أخطارا جسيمة ناجمة عن التطورات القائمة والقادمة من الشمال والغرب،

(2) و’بين ذاتية’، أي يتحقق المشترك بين الآراء والمواقف.

(3) وسياسية بمعنى تعبيرها عن الحد الأدنى من الإجماع الوطني الاجتماعي في سياق برامجي لا فردي أو شخصي.
(4) قيمية، تعكس قيم المجتمع وثقافته.

ووفقا لهذه المرجعيات ليس مدبرو الاعتصامات أمام منازل المسؤولين ولا التعرّض، حتى سياسيا، لشخصيات عامة من خارج القائمة المتفق عليها ،جزءا من الحراك الأردني، ولا أولئك الذين يمسون الأعراض في هتافاتهم جزءا من الحركة الوطنية، ولا دُعاة الشعارات الساخنة جزءا من العملية السياسية.

أولا، الحراك الأردني ملتزم بعملية تجديد الدولة الأردنية وليس هدمها أو تعريضها للمخاطر. وبدون هذا الالتزام لا يعود الحراك وطنيا وأردنيا.

ثانيا، برنامج الحراك واضح : محاكمة الفاسدين وتصفية ملفات الفساد أمام القضاء وليس في الشارع ، وتصفية الخصخصة و استرجاع القطاع العام، وتنمية المحافظات، ودسترة وقوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية، واتباع سياسات خارجية متوازنة في إطار سيادة الدستور والقانون وصونهما من تعدي السلطات ومن تعدي المعارضات، سواء بسواء.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.