ناهض حتّر
أكتب في «النقد الذاتي» … فبالرغم من خلافاتي الفكرية مع احزاب المعارضة… فأنا-انتمي، في النهاية، الى جماهيرها… وبصفتي من هذه «الجماهير»… فقد شاركت في مسيرة تنسيقية المعارضة مساء السبت الماضي. واول ملاحظاتي انه لم يكن هناك ادنى تنسيق بين الأطراف المشاركة… وبعد خمس دقائق بالضبط اكتشفت انه لا يوجد اي تطابق بين الشعار الذي انطلقت تحته المسيرة -وهو التضامن مع العراق ضد الحرب -وبين المسيرة نفسها التي انقسمت الى ستة مراكز: «الاخوان المسلمون»، والحزب الشيوعي، و«حشد» والجبهة الشعبية، وفتح -ابو عمار، وحزب البعث، العراق. وانصار كل هؤلاء كانوا يشكلون اقل من 30% من المشاركين بالمسيرة بينما كانت الاغلبية من جمهور المعارضة… الصامت، المغلوب على امره تحت زعيق الميكروفونات… وكلها بأيدي شباب غير مدربين سياسيا يهتفون بما يخطر على البال من نفج وغضب: «-خيبر خيبر يا يهود!».
والوعيد للصليبيين وللأميركيين -وليس للامبريالية الاميركية -والهتاف بحياة «حماس» وكتائب عز الدين القسام! واذ يئست من «الاخوان» ذهبت الى مركز الديمقراطية -الشعبية… فوجدت القوم يرفعون صور الامين العام المعتقل احمد سعدات ويطالبون السلطة الفلسطينية بالافراج عنه… بينما هم، ايضا، يتوعدون وينذرون… وفجأة انطلق هتاف «وحدة وحدة وطنية» فقلت: الحمد لله! هذه بداية عقلانية… فإذا بالهتافين يواصلون: «فتح وجبهة شعبية!» فاكتشفت ان الامر لا يعني المعارضة الاردنية، وان الشباب يبحثون في امور تخصصية، بينما كان تجمع صغير يهتف:
ابو عمار لا تعبس
بدك فدائية بنلبس
وقلت ان هؤلاء الفتية متأخرون عن الركب ربع قرن على الاقل! وقررت ان اعود الى قواعدي القديمة… وشدتني الرايات الحمر، رايات الحزب الشيوعي، وقدرت ان الهتافات الشيوعية ستكون، كالعادة، منضبطة سياسياً وفيها قيمة فكرية… الا ان هتاف الحزب الشيوعي كان يزعق -لدهشتي -قائلا: «لا -للحل السلمي لا!» واندهشت: هل يريد هؤلاء الحرب!! ثم فكرت بأن الفتى الهاتف لا يقصد العراق… وانما هو ضد الحل السلمي للقضية الفلسطينية!! فهذا ايضا متأخر ربع قرن او ازيد!
واخيراً، ذهبت الى بعث العراق. قلت: عند هؤلاء «الكلمة» التي لا تخطئ الهدف… فإذ بهم يرددون هتافات من تخصص فتح -الجبهة الشعبية. وعزمت امري وطلبت من بعثي صديق هتافات بعثية! ولكن المسيرة كانت قد انتهت لم يستجب هاتف البعث -لطلبي الخاص… وانشغل الشباب بالدبكة… قبل طيّ العدّة من ميكروفونات واعلام وصور… وخصوصاً صورة الرئيس القائد بالسيجار!
راقبت كم علما اردنيا في المسيرة؟ فوجدتها اقل من اصابع اليدين، ومنكسة ترفعها ايدي غير واثقة… فتحسرت على مئات الآلاف من الدنانير التي صرفتها الحكومة الاردنية على الحملة الترويجية: «الاردن اولاً».
ساعتان من الفوضى والزعيق واستعراض الولاءات والاحقاد والافكار اللاعقلانية، والمشاعر العنصرية والطائفية… والشتائم التي تضع الغرب كله، والانظمة العربية كلها… والعالم كله في سلة واحدة!! تعبيراً عن تدني الوعي السياسي وغياب الوحدة الوطنية… بل وحدة احزاب المعارضة!
***
شعرت -مثل الكثيرين غيري -انني خُدعت… فأنا لبيت نداء «المسيرة» لكي اقول: لا…للحرب! لا للعدوان على العراق! نعم لسلامة العراق والشعب العراقي ووحدته وحريته واستقلاله… فماذا وجدت؟ احزاب تمجد نفسها وقادتها وتكرر ذاتها… حتى الاختناق!0