مستوطنة إسرائيلية.. على الأراضي الأردنية؟***مع انطلاق المزايدات الانتخابية لليمين الاسرائيلي، قام مستوطنون من حركة »كاخ« اليمينية المتطرفة، بتجاوز الحدود، ودقّ أوتاد مستوطنة جديدة على الارض الاردنية في منطقة الباقورة التي تقع على ملتقى نهري الأردن واليرموك، أقصى شمال البلاد.وقالت أسبوعية »الحدث« الاردنية التي كشفت النبأ، ان الحكومة الاردنية بذلت، بصمت، جهودا دبلوماسية حثيثة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، انتهت بقيام الشرطة الاسرائيلية بتفكيك المخيم الاستيطاني وطرد المستوطنين الذين أرادوا تأكيد معارضتهم للمعاهدة الاردنية الاسرائيلية، عمليا، في ظل وقف الحكومة الليكودية للاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، وأجواء الاندفاعة اليمينية في إسرائيل ضد التنازلات التي قدمها »اليسار« الاسرائيلي او يريد تقديمها الى العرب.واذا كانت الحكومة الاردنية قد نجحت، هذه المرة، في تجاوز المحنة، فهي ابتلعت الاهانة، واضطرت الى الدبلوماسية السرية، ما دام ان المواطن الاردني لن يلوم حركة »كاخ« الاسرائيلية بقدر ما سيلوم حكومته التي قبلت بتسوية قضية الاراضي الاردنية المحتلة في صيغة تبقي الاسرائيليين فيها، وتبقيها مفتوحة أمام الاسرائيليين وشرطتهم وقوانينهم، بينما لا يستطيع المواطن الاردني الدخول اليها (إذا سُمح له) الا بتصريح!صحيح ان المعاهدة الاردنية الاسرائيلية للعام 1994، نصت ان القسم المحتل من أراضي الباقورة، يقع »تحت السيادة الاردنية«، وسمحت، بالتالي، للجيش الاردني بالانتشار فيها، ولكنها نصت، في الملحق 1 (ب) منها على ان في »منطقة الباقورة/ نهاريم، حقوقا ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة اسرائيلية (المتصرفين بالأرض)« ويتعهد الجانب الاردني، بناء على ذلك، بما يلي:»أ ان يمنح، من دون استيفاء رسوم، حرية غير مقيدة للمتصرفين الاسرائيليين وضيوفهم او مستخدميهم، بالدخول اليها والخروج منها واستعمالها والحركة ضمن حدودها..«.»ب ألا يطبق تشريعاته الجمركية او المتعلقة بالهجرة على المتصرفين بالارض او ضيوفهم او مستخدميهم الذين يعبرون من اسرائيل الى المنطقة بهدف الوصول الى الارض لغرضي الزراعة او السياحة او أي غرض آخر يتفق عليه«.»ج ألا يفرض ضرائب تمييزية او رسوما تمييزية على الارض او الأنشطة ضمنها«.»د ان يتخذ كافة الاجراءات الضرورية لحماية اي شخص يدخل المنطقة حسب هذا الملحق والحيلولة دون مضايقته او إيذائه«.»ه ان يسمح بدخول رجال الشرطة الاسرائيلية بلباسهم الرسمي، بالحد الأدنى من الشكليات، الى المنطقة لغرض التحقيق في الجرائم او معالجة الحوادث الاخرى المتعلقة حصرا بالمتصرفين بالارض او ضيوفهم او مستخدميهم«.ومع ان الملحق يؤكد خضوع هذه المنطقة للقانون الاردني فانه يؤكد، بالمقابل، على ما يلي:»ب القوانين الاسرائيلية التي تنطبق على أنشطة اسرائيليين خارج حدودها يمكن ان تنطبق على الاسرائيليين وأنشطتهم في المنطقة، ويجوز لإسرائيل اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتطبيق مثل هذه القوانين«.»ج بالنظر الى هذا الملحق، لا يطبق الأردن قوانينه الجنائية على الانشطة في المنطقة المحصورة بأشخاص من التابعية الاسرائيلية«.والآن، وبعد كل هذه الاشتراطات والقيود الاسرائيلية التي تفرّغ الانسحاب من »الأرض الاردنية المستعادة« من كل معنى، وتخضعها، عمليا وتعاهديا، للسيادة الاسرائيلية ينطرح السؤال: ألا يعتبر هذا »النظام الخاص« بالباقورة/ »نهاريم« سابقة خطيرة بالنسبة للأرض الاردنية كلها، ما دام انه أصبح مباحا قيام الاسرائيليين بتملك الاراضي الاردنية، وما دام ان الاساس في النظام الخاص بالباقورة هو وجود »حقوق تملك اسرائيلية« فيها؟!يقول المدافعون عن المعاهدة ان هذا »النظام الخاص« بالباقورة/ »نهاريم« الذي يخترق السيادة الاردنية اختراقا شاملا، هو مؤقت بخمس وعشرين سنة؟؟ والحقيقة ان »النظام الخاص« بالباقورة/ »نهاريم« غير موقوت. فالمادة السادسة من الملحق 1 (ب) تقول: »من دون المساس بالحقوق الخاصة بالتصرف بالأرض في المنطقة يستمر هذا الملحق نافذ المفعول لمدة خمس وعشرين سنة ويجدد تلقائيا لفترات مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين، الطرف الآخر بنيته بإنهاء العمل بهذا الملحق قبل سنة من انتهائه. وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات حيالها بناء على طلب أي منهما«.وهذا يعني:1 ان الاتفاقية حول تنظيم الوجود والسيادة الاسرائيليين هي الموقوتة بخمس وعشرين سنة، ولكن ليس الوجود الاسرائيلي نفسه الذي يظل »بدون مساس« على الاطلاق. فحقوق التملك الاسرائيلية دائمة وانما شكل تنظيمها هو المؤقت.2 ان الاردن ملتزم بعد خمس وعشرين سنة بالتفاوض ثانية مع الاسرائيليين بالاستناد الى نفس الاسس وهي: »عدم المساس بالحقوق الخاصة بالتصرف بالأرض« وهي حقوق التملك الاسرائيلية.بل ان اسرائيل، أكدت على ضرورة »تعديل« هذا الملحق من وجهة نظرها بالطبع في »حالة إقامة أي مشاريع مشتركة«! في المنطقة.مما سبق نستنتج ان الجانب الاردني قام بما يلي:1 أعطى للاسرائيليين، خلافا لمبدأ السيادة وللقانون الاردني، ليس فحسب حق تملك اراض أردنية خارج الاراضي البلدية، ولكن حق تملكها بصورة دائمة بحيث لا تستطيع الحكومة الاردنية استملاكها لأغراض النفع العام حسب القانون الاردني.2 أعطى للاسرائيليين »حرية غير مقيدة« بالدخول والخروج والحركة، وسيادة شرطية، وسيادة قانونية، وامتيازات مالية إلخ، وهي كلها تمثل خرقا للسيادة الاردنية، بصورة دائمة وتعاهدية.ما هي حدود منطقة النظام الخاص؟إلا ان الأخطر في الملحق 1 (ب) الخاص بمنطقة الباقورة/ »نهاريم« هو غموض حدود هذه المنطقة »الموضحة تفصيلاتها في الذيل (17)« الذي لم نعثر على نصه منشورا، وضاعت جهودنا، على مدار أربع سنوات، للحصول عليه، عبثا.وعلى كل حال، فان السؤال المطروح هو: لماذا كان الملحق 1 (ب) تحت عنوان (منطقة الباقورة/ »نهاريم«) ولم يكن تحت عنوان واضح محدد هو »الاراضي الاردنية المستعادة في الباقورة«؟ فالموقع الذي يسميه الاسرائيليون »نهاريم« (ملتقى النهرين) يقع داخل الاراضي الاردنية وخارج »الارض المستعادة« (حسب التعبير الرسمي) بينما تبعد قرية الباقورة عنه مسافة اخرى. فهل يشمل »النظام الخاص« للوجود الاسرائيلي في (الباقورة/ »نهاريم«) الذي قررته المعاهدة:1 الارض الاردنية »المستعادة« فقط، وتبلغ مساحتها 850 دونما من أصل القسم المحتل البالغة مساحته 1390 دونما (وتنازل المفاوض الاردني عن 540 دونما منها)؟2 أم يتسع ذلك »النظام الخاص«، الاستيطاني بمضمونه، ليشمل الاراضي التي كانت مخصصة، قبل قيام إسرائيل، لشركة كهرباء فلسطين (مشروع روتنبرغ) في الموقع الذي يسميه الاسرائيليون »نهاريم«، وهي أراض لم تكن محتلة، وتبلغ مساحتها 5380 دونما؟3 أم يتسع ليشمل كل الاراضي الواقعة بين »نهاريم« وقرية الباقورة، وتقدر بآلاف الدونمات؟لقد أكدت الحركة الوطنية الأردنية، مرارا، ان المعاهدة الاردنية الاسرائيلية، تخرق الدستور والقانون الاردنيين ومبدأ السيادة، من حيث ان الأول يحظر التنازل عن الأراضي الاردنية، ومن حيث ان الثاني يحظر على الاجانب تملك أراض خارج التنظيم البلدي، ومن حيث ان الاخير، لا يسمح بتطبيق قوانين أجنبية على الاراضي الوطنية.ومع اهمية هذا النقد الدستوري القانوني، فانه ينبغي التنبيه، هنا، الى الآتي:1 ان السيادة على »بضعة« دونمات في المنطقة الضيقة عند ملتقى نهري الاردن واليرموك، قد ترتب او تفتح سجالا حول الحقوق المائية للأطراف.2 ان »النظام الخاص« لوجود اسرائيليين على الارضي الاردنية وخارج القانون الاردني، هو سابقة قانونية خطيرة للغاية، وخاصة في ظل تطورات اقليمية مؤاتية، علما بأن الاسرائيليين يدّعون ملكيات أراض، ويشترون، منذ العام 1994، بواسطة طرف ثالث، أراضي في مناطق مختلفة من الأردن.3 ان »النظام الخاص« هذا، هو الذي أتاح لمستوطني حركة »كاخ« الشروع ببناء مستوطنة على الأراضي الاردنية، بدون ان يكون للشرطة الاردنية، الحق في اتخاذ أي إجراء ضدهم، ما دام ان هؤلاء لا يخضعون للقانون الاردني بل للقانون الاسرائيلي، ما استلزم اتصالات دبلوماسية، على أعلى المستويات، لإقناع الحكومة الاسرائيلية بإرسال شرطتها لتفكيك المخيم الاستيطاني الجديد في الباقورة!؟4 ان استجابة الحكومة الاسرائيلية للطلب الاردني، ترحيل مستوطني »كاخ« عن الباقورة، هي، في النهاية، مجرد »مبادرة ودية«. فليس في القانون الاسرائيلي او في المعاهدة الاردنية الاسرائيلية، وخصوصا الملحق 1 (ب) الخاص بمنطقة (الباقورة/ »نهاريم«)، ما يمنع أنصار حركة »كاخ« او غيرهم، من إنشاء المستوطنات في الاراضي الاردنية »المستعادة«!؟.