مرحلة جديدة خطيرة

بالإعلان، أمس الأربعاء، عن تفاصيل عملية تهريب رئيس الوزراء، رياض حجاب، الفار من سورية إلى الأردن، نكون قد وصلنا إلى نقطة تحوّل نوعية في الموقف الأردني من الصراع الدائر في سورية؛ ففي تلك التفاصيل ما لا يمكن إنكاره أو تبريره من التعاون الحثيث ـ الذي أصبح علنيا ـ مع المعارضة السورية المسلحة. بذلك، تكون عمّان قد انحازت إلى الجبهة الخليجية التركية الغربية في مواجهة الجبهة السورية الإيرانية الروسية. وهو ما يؤذن بمرحلة جديدة خطيرة ومفتوحة الاحتمالات في العلاقات الأردنية ـ السورية.لن تخرج عملية تهريب رياض حجاب عن حجمها كحكاية مسلية من حكايات جيمس بوند، ولن يكون لها أي تأثير جدي على الصراع السوري الذي سيحسمه القتال على الأرض. ومن الواضح أن الجماعات المسلحة، المعارضة والإرهابية، لن يكون لها فرصة واقعية لتحقيق انتصار على الجيش العربي السوري من دون عملية عسكرية واسعة للناتو أصبح واضحا أن التوازنات الدولية تمنعها. وإذا حدثت، رغم ذلك، فإنها ستفجّر حروباً إقليمية طاحنة. وفي النهاية، فإن مَن يتوهّم أنه يمكن إسقاط النظام السوري بالضغوط السياسية وبالبهلوانيات الاستخبارية والإعلامية، سوف يصطدم بالجدار، وسيتورّط في مسار خطر غير محسوب.
رياض حجاب اسم سيطويه الزمن، مثلما طوى مَن كانوا أهمّ منه بكثير في هيكلية النظام السوري، مثل رئيس الجمهورية، أمين الحافظ الذي مات مغموراً في عمان، ومثل القيادي الأمني في نظام البعث، سليم حاطوم وصحبه من الضباط المنشقين الذين جرى تهريبهم إلى الأردن في أيلول 1966، بعدما فشلت محاولتهم الانقلابية المدعومة خارجياً.
تقع الجمهورية العربية السورية في مربع جيو سياسي يتفاعل مع كل دول المنطقة وقضاياها، وسقوطها يعني خارطة إقليمية جديدة بالكامل. من الداخل، أمّنت الجمهورية المركبة من فسيفساء طائفية ومذهبية وأثنية وجهوية، وحدتها، منذ الاستقلال، باللحمة الأيديولوجية القومية العلمانية وبالجيش العقائدي.
خط الرئيس حافظ الأسد، المسيطر منذ 1963 ، قام على الفهم الواقعي لهذه الحقائق الاستراتيجية الثلاث، وتفاعل معها بمزيج من الرؤية القومية والواقعية السياسية ومركزية المؤسسة العسكرية في بناء الدولة. ولذلك، صمد النظام السوري رغم كل ما عاناه من حصار وتدخل خارجيين ومعارضات جزئية داخلية؛ فكل تدخل خارجي في سورية محكوم بالفشل بسبب التوازنات الجيوسياسية الحساسة، وكل معارضة داخلية ستظل جزئية، وبالتالي فاشلة حتما، إلا إذا كانت قومية وعلمانية وعسكرية.
سنة 1970، تدخل وزير الدفاع حافظ الأسد، إدراكا منه لمخاطر العبث بالجيوسياسية الإقليمية، لمنع انهيار الدولة الأردنية، وعمل على سحب سريع للقوات السورية المتدخلة في القتال الداخلي في بلدنا. وسنة 1980، رددنا بالتدخل إلى جانب الإخوان المسلمين المنتفضين في سورية، ثم اعتذرنا، علنا، عام 1985. ومذ ذاك، رُسمت حدود متفق عليها للعلاقة الثنائية تنأى بالجانبين عن التدخلات المتبادلة بغض النظر عن الخلافات السياسية.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.