ناهض حتّر
خارج دائرة التكفير والتخوين والاتهامات المتبادلة، تظهر المعادلة السياسية العارية… والقاسية: فعلى الخاسر أن يدفع الثمن.
وعندما يتعلق الأمر بالكتّاب والمحللين السياسيين، هناك القليل من الرحمة، فخسارة الصدقيّة هي عقاب بطيء، ولكنه قد لا يتطلب مغادرة الميدان بقرار: مع أنه يفرض، على الأقل، كلمة اعتذار عن الخطأ في التحليل، عن الجهل أو عن سوء النية.
في 12 تموز 2006 كان هناك جيش لجب من اصحاب الاقلام في الخندق المضاد للمقاومة -واذا شئتم سوف نعود الى الأرشيف- لكن مع انهيار الهجمة الامريكية- الاسرائيلية على الحزب، وعلى الخط الوطني في لبنان… سال الحبر مدراراً بالاتجاه المعاكس. لم يراجع احدهم نفسه علناً. بالطبع ليس هنالك حسيب.. ولكن رقابة الضمير الجمعي حاضرة.
بالنسبة للسياسيين، يختلف الأمر. فحساب هؤلاء معجل لا مؤجل: فعلى السياسي الذي يخطىء خطأ استراتيجياً في حساباته ان ينسحب من الميدان تواً، بالاستقالة. فهو ليس مجرد صاحب رأي، بل مشارك في القرار. ومن شأن القرار الخاطىء ان يلحق الضرر بالدولة والمجتمع. فاين هي الاستقالات؟
رئيس وزراء العد، ايهود اولمرت، سياسي من الدرجة الثالثة. ليست عنده الشجاعة للاعتراف بقراره الخاطئ -استراتيجياً- بشنّ الحرب على لبنان. كذلك سيدته وزيرة الخارجية الامريكية، كوندليزا رايس. وهما يحاولان، حتى اللحظة الاخيرة، استدراك فشلهما المخزيّ، بالالحاح على محاصرة لبنان، لتحصيل مكاسب فرعّية والحفاظ على ماء الوجه، مع أنهما يدركان بانهما خسرا الجولة.
لكن، في اسرائيل آليات سياسية سوف تلجم أولمرت وصحبه. وتلزهم الى المغادرة. كذلك الأمر في الولايات المتحدة: سوف يكون هناك، في النهاية، حساب… اما في بلادنا، فان الذين ساروا وراء المغامرة الامريكية – الاسرائيلية، لا يهزهم الفشل: إذ لا توجد آليات للمحاسبة.
في 12 تموز ،2006 كان هناك تيار عربي. يراهن على قدرة الجيش الاسرائيلي على كسر حزب الله في 72 ساعة.
كل ذلك انهار في جنوب لبنان، المعادلة السياسيّة تغيرت. واذا كان هناك الكثير من الغبار والسراديب والمنزلقات، فان الاتجاه العام للتطورات السياسية في الاقليم، اصبح واضحاً.
مرحلة جديدة بدأت في الشرق الاوسط، بمعادلات جديدة، ورؤى جديدة، وخطط جديدة.. تتبلور وتترسخ ببطء لكن بثبات.
– بقي للادارة الامريكية الجمهورية حوالي السنتين، لكن سياساتها الشرق اوسطية سقطت بالفعل، واذا كان بوش الصغير عاجزاً عن اجتراح ديناميات سياسية ملائمة للمتغيرات، فاكثر ما يمكنه فعله الان، هو المراوحة واستهلاك الوقت، لكن القوة الفاعلة في «الادارة»- أعني المحافظين الجدد- فقد تعطلت وانتهت.
– حزب كاديما الملفق بزعامة أولمرت، يلفظ انفاسه: والصراع السياسي في اسرائيل، سوف يكون عنوان المرحلة التي لن تكون مجرد استعادة للتنافس التقليدي بين اليمين واليسار، في سياق السياسة الاسرائيلية التقليدية.
– ايران خرجت من عنق الزجاجة بملفها النووي وبنفوذها الاقليمي، لكن الصراع سوف ينشب الان داخل النظام الايراني وداخل حلفائه في العراق بين خط المواجهة.. وبين خط التفاهم مع الامريكيين.
– اعني ان المشهد السياسي العراقي غامض ومقبل على تغييرات عميقة. هذه التي استشعرها الاكراد باستعجالهم خطة الانفصال قبل ان تصبح قديمة وفائتة. ولكن هيهات…
– ووسط كل ذلك، سورية تعود الى محور العملية السياسية الاقليمية.
الغريب أن قوى 14 أذار في لبنان، ما تزال تعتقد انه ما يزال بامكانها الانفراد بالحكم.. بينما حلفاؤها العرب ما زالوا يعيشون في ما قبل 12 تموز… من دون اعتذارات او مراجعات
مرحلة جديدة..
فهل هنالك سياسة جديدة؟ وأدوات جديدة؟ وسياسيون، من طراز آخر، قادرون -تحديداً – على التفاعل مع المستجدات الاقليمية لما بعد 12 تموز؟.