مراجعة الخصخصة .. شهودٌ من أهلها

مراجعة عمليات الخصخصة ( التخاصية) مطلب أساسي في برنامج الحراك الشعبي والحركة الوطنية. والمطلوب من هذه المراجعة، تحقيق ثلاثة أهداف هي : (1) الكشف عن مواضع الفساد والهدر والتربّح في صفقات بيع موجودات القطاع العام، وعوائدها، وإحالة الملفات المشتبه بها إلى القضاء، (2) فحص مواضع الخلل في عقود الخصخصة، وفق المعايير الدستورية والقانونية والاقتصادية، وإجراء اللازم بصددها، (3) فحص أثر الخصخصة على الاقتصاد الكلي وعائدات الخزينة، كما على القطاعات والشركات المخصخصة، والإجابة على أسئلة من النوع التالي : أين يمكن تحسين العمل والعوائد في تلك الشركات وضبطها ماليا وإداريا، وما الذي يمكن تطويره لتحسين أداء القطاعات، وأين ينبغي التراجع عن الخصخصة كليا، وإعادة التأميم، (كما هو الحال مثلا في قطاع الكهرباء الذي ثبت بأن خصخصته ترفع كلفة انتاج الكهرباء وتحمل الاقتصاد والمواطنين، أعباء الربح والتربّح والهدر).
مؤخرا، طلب الملك وقررت الحكومة، تشكيل لجنة معنية بمراجعة الخصخصة، إلا أنه جرى تجريف القرار من محتواه، مسبقا؛ ذلك أن أهداف اللجنة وصلاحياتها وتكوينها، تقع، كلها، خارج السياق اللازم للقيام بتحقيق الغايات الوطنية والشعبية منها.

أولا، صحيح أن اللجنة ستجيب على بعض الأسئلة الصحيحة، ولكن ليس بينها أي سؤال حول ضرورة التراجع الكلي أو الجزئي عن عمليات الخصخصة أو تعديلها بما يخدم الاقتصاد الوطني الخ أو حتى التوصية بإلغاء قانون التخاصية ووقف المزيد من عمليات الخصخصة؛ إنه لمن المعروف أن الحكومة لا تزال تملك حصصا وازنة في الشركات المخصخصة، بما يفرض الإجابة على سؤال مركزي: نستمرّ في البيع أم نتوقف؟ وإذا كنّا سنتوقف، فما هو الإطار الملائم لإدارة الاستثمارات الحكومية الباقية؟ وهل من المعقول استمرار الوضع المتسيّب الحالي من دون إدارة ولا خطة؟

ثانيا، صحيح أن اللجنة سوف تقدم، في النهاية، تقريرا بحثيا ربما يكون وافيا حول عمليات الخصخصة، لكن ليس للجنة أي صفة تمكنها من إجراء التحقيقات اللازمة والحصول على المعلومات الخ كما أنها غير مخولة بتقديم توصيات تلتزم الحكومة بالنظر فيها.

ثالثا، صحيح أن اللجنة مكونة من شخصيات محترمة، لكنها، جميعا ومن دون استثناء، تنتمي إلى المدرسة الليبرالية في الاقتصاد، بل هي معروفة بتأييدها الأيديولوجي للخصخصة واقتصاد السوق، وإذا ما أضفنا إلى هذه الشخصيات الليبرالية، ممثلي الهيئات الدولية التي تتبنى الخصخصة كعقيدة، نكون أمام لجنة لا يتوفر فيها التوازن المطلوب للتوصل إلى استنتاجات ذات صدقية.

لكيلا تذهب فرصة مراجعة الخصخصة، أدراج الرياح، ويظل الملف كله عرضة لانعدام الثقة، هناك ثلاثة تعديلات على عمل اللجنة المعنية وتكوينها، ينبغي اتخاذها فورا، هي:
(1) تعديل ديباجة تشكيل اللجنة بحيث تكلف بإجراء التحقيقات اللازمة، وتقديم التوصيات التي تلتزم الحكومة بالرد عليها،

(2) ضم 3 ممثلين عن هيئة مكافحة الفساد والادعاء العام والأجهزة الأمنية إلى اللجنة،
(3) ضم 3 ممثلين للقوى اليسارية والشعبية إلى اللجنة لتحقيق التوازن الايديولوجي والسياسي المطلوب في عملها.
من دون ذلك، لن يكون للجنة مراجعة الخصخصة، أي معنى.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.