كانت ردة الفعل الشعبية المباشرة على القرار الحكومي بزيادة أسعار المشتقات النفطية، أسرع وأوسع مما توقعنا، لكن ما كنا نبهنا إليه، عدة مرات، يتعلق بالتفاعلات اللاحقة التي ستتبلور تباعا، تحت ضغوط متوالية ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتفرض نفسها سياسيا. وأول ما يمكننا أن نتنبأ به الآن هو أن الحراك الشعبي الذي كان ضمر بانفصاله عن مزاج المجتمعات المحلية، سيعاود النشاط ويكتسب المزيد من الحيوية، ويضم إلى صفوفه أوساطا جديدة.
ليلة الثلاثاء / الأربعاء، تابعتُ، حتى الفجر، من خلال الاتصالات المباشرة بمواقع التحركات الشعبية في أنحاء البلاد، تطورات الموقف أولا بأول. ويمكنني القول إن أغلبية تلك التحركات وأساليبها وهتافاتها، كانت عفوية تماما. وهي تعبر عن انفجار الغضب الشعبي، ولا صلة لها، باستثناء حالة دوار جمال عبدالناصر، بمحرضين أو بأحزاب سياسية. وهذا مفصل بالغ الأهمية في مسيرة الحراك الأردني منذ عام 2010، فهو عبّر، دائما، عن المسيسين والحراكيين وجمهورهم. وصحيح أن هؤلاء عبروا، بدورهم، عن أوساط واسعة من الرأي العام، إلا أنهم ظلوا مقيدين ـ باستثناءات محدودة ـ برؤية سياسية عقلانية ونزعة سلمية وحرص على تجنّب الصدام والفوضى. وهو ما لا يمكن ضبطه في حالات الغضب الشعبي الذي يتجسد في نمط بالغ الخطورة ينحو، بطبيعته، نحو الصدام في الشعارات والممارسات.
وقد لاحظنا في تحركات الغضب الشعبي أن الميل العفوي إلى الصدام والعنف قوي جدا، وأن الشعارات العفوية الصادرة عن حس جماعي هي أعلى سقفا من شعارات الحراك، حتى أكثرها راديكالية. ولا بد أن نتلمس، هنا، الفارق بين راديكالية مجموعات شبابية معزولة وراديكالية الجماهير المنفلتة. والأخيرة، قد تشكّل حاضنة لأجندات معادية للدولة الأردنية.
وضع القيادي الإخواني زكي بني رشيد، النقاط على الحروف، حين أعلن ما مضمونه أن غياب ‘ الديموقراطية’ هو الذي يدفع الشعب الأردني إلى الانتفاض ضد الإجراءات المالية الصعبة، في حين يقبل الشعب المغربي، طوعا، زيادات في الأسعار بنسبة 27 بالمائة، بسبب وجود حكومة منتخبة ( شكّلها الإخوان) وهو ما ينطبق على نموذج مصر ( (التي اقترضت من صندوق النقد الدولي وخضعت لشروطه في تحرير أسعار المشتقات النفطية) ، ففي مصر ديموقراطية ورئيس منتخب ( إخواني ايضا). وبالقياس، فإن الحل الجزئي الصعب لأزمة المالية العامة عن طريق ‘الصندوق’ وتحرير الأسعار في الأردن، له مخرج واحد، هو ديموقراطية تقود الإخوان إلى الحكم.
والحقيقة أن ما يقوله بني رشيد صحيح إلى حد كبير؛ فالإخوان في المغرب وتونس ومصر، تمكنوا فعلا ـ وإنْ مؤقتا ـ من تشكيل إطار سياسي يحد من الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات المالية والاقتصادية القاسية واللاشعبية. وهذا مخرج واقعي.
المخرج الثاني هو الذي نقترحه، ويقوم على بناء تحالف وطني اجتماعي يراجع النهج الاقتصادي الليبرالي برمته، ويؤدي إلى اقتصاد عادل وديموقراطية اجتماعية.
المخرج الأول له كلفة باهظة على الكيان الوطني وهويته ووضعه الجيوسياسي، وللمخرج الثاني كلفة باهظة أيضا، ولكنها داخلية، وتتعلّق بضرب مصالح الكمبرادور ونمطه الاقتصادي.
ومشكلة المشاكل بالنسبة لنا أن أصحاب القرار ما زالوا يرفضون المخرجَين معا .
العرب اليوم