ناهض حتّر
هناك مخاوف من الاتجاه الى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابيّة – على أساس دائرة المقعد الواحد – لخصها الصديق موسى المعايطة، الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي، في هاجسين:
الأول: أن يكون ذلك الاتجاه، مدخلاً للإخلال بالتركيبة الوطنية للبرلمان على حساب المحافظات، أو – على الأقل – حجة لفتح باب السجال حول اشكالية الديمغرافيا والجغرافيا في التمثيل النيابي.
والثاني: أن يؤدي تصغير الدوائر الى انتخاب «مخاتير»، ما يؤدي الى اضعاف الأداء النيابي اكثر فاكثر.
وأنا آخذ هذين الهاجسين على محمل الجد.
إن أي اصلاح للنظام الانتخابي لا يراعي الابقاء على – بل وزيادة – حصة ونسبة التمثيل النيابي للمحافظات، سيشكل اختراقاً خطيراً للخط الأحمر الوطني، ويؤدي، تالياً، الى أزمة سياسية حادة في اوقات اقليمية ودولية صعبة للغاية.
ولذلك، أحسب أنه ليس هناك مَن يقدر على ان يأخذ على عاتقه، هذه المغامرة. ومع ذلك، فالاحتمال وارد. ومن المناسب الاحتفاظ بقدر كبير من التحسب واليقظة.
وفيما يتصل بامكانية تجديد السجال ضد أولوية تمثيل الجغرافيا التكوينية في البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة، فهي واردة.
ولا بد من التصدي لها دائماً سواء من وجهة النظر الوطنية أم التنموية أم الديمقراطية.
ولا ريب أن مطلب تنسيقيّة «المعارضة» الداعي لاعتماد القائمة النسبية على مستوى المملكة. يقع في اطار ذلك السجال. وهو ما يمثل التفافاً غير مسؤول على حصانة الكيان الوطني، ومدخلاً للفوضى والانقسام وهو ما يعزز قناعتي بأن «المعارضة» القائمة هي معارضة للدولة الاردنية وليس للحكومات أو النظام السياسي.
يبقى لدينا حلاّن لاِصلاح النظام الانتخابي: الحل الأول هو اعتماد القائمة النسبية على مستوى المحافظة. ويصطدم هذا الحل بالتعقيدات الديمغرافية السياسية في اربع محافظات على الأقل هي العاصمة والبلقاء والزرقاء واربد، ما يدخلنا في دوامة وشبهة التوطين، الا اذا تمت المساواة الكاملة بين المحافظات في عدد المقاعد النيابية. وكنت أتبنى ذلك. وقد تبين لي أن ميزان القوى القائم لا يسمح بالانتقال الى هذا الترتيب.
وفي ظل هذه المعطيات، توصلت الى أن الحل الثاني، المتمثل في اصلاح نظام الصوت الواحد هو الأفضل في هذه المرحلة.
نظام الصوت الواحد في دوائر متعددة المقاعد، ليس نظاماً، بل فوضى منظمة لا عقلانية تشغّل كل انواع الاستقطابات ما قبل المدنية وتحول دون تمثيل معظم الناخبين، وتسمح للمرشح بالفوز بنسبة ضئيلة من اصوات الدائرة الانتخابية، حيث يكون للتحزب العشائري والنفوذ والمال، الدور الاكبر في رسم خارطة النتائج.
ان تصغير الدائرة الانتخابية على اساس الدائرة ذات المقعد الواحد، يجعل نظام الصوت الواحد عقلانيا ومنسجماً مع نفسه. كذلك فان شرط الحصول على 51 بالمئة من الاصوات، يجعل التمثيل النيابي أكثر صدقية.
ويسمح نظام «صوت واحد – مقعد واحد»، بالتحالفات السياسية على الصعيد المحلي والوطني، من خلال تبادل دعم المرشحين. ومثلما انه يسمح باتفاق الكتلة العشائرية على انجاح مرشح ما، فانه يتيح – بالمقابل – فك تلك الكتلة بالصراع السياسي المدني.
على أن نجاح هذا النظام، يرتبط بمنع مناقلة الأصوات نهائىاً، والزام الناخبين بالاقتراع في أماكن اقامتهم. وبالنتيجة، سوف يؤدي كل ذلك الى وقف تأثير النفوذ والمال وشراء الأصوات، وهي – كلها – أسوأ من التأثير العشائري.
بل ان التأثير الحكومي في الدائرة الصغيرة، يصبح صعباً. وكذلك التزوير الخ وسيكون هناك ارتباط أكثر دينامية بين الدائرة ونائبها. ولا يعني ذلك ان عدداً منهم لن يكون أكثر من مختار. ولن بالمقابل، فان تصغير الدوائر سوف يجتذب – وفق حسابات مستجدة هنا او هناك – شخصيات ذات مستوى ثقافي وحضور سياسي، للمشاركة في المعركة الانتخابية، والنجاح.
ويمكن ان يلعب تقسيم الدوائر على اساس مختلط، اجتماعي وتنموي، دوراً في الحدّ من التأثير العشائري. وفي احيان اخرى، قد يكون التأثير العشائري خطوة الى الامام بالنسبة الى الواقع الحالي حيث الاولوية للنفوذ والمال.
وبرأيي ان الضغط يجب ان يتوجه نحو ايجاد صيغة لتمثيل الخاسرين في ظل نظام « الصوت الواحد – المقعد الواحد». وهو ما سيمنح الفرصة للأحزاب السياسية، ترشيح اعضائها في قوائم، والحصول على حصة نسبية من مقاعد البرلمان على أساس ما تحصله من اصوات على مستوى المحافظة.