ناهض حتّر
زيادة اسعار المشتقات النفطية، للمرة الثانية، خلال شهرين، ليست تعبيرا عن «ضرورة وطنية» – مثلما يقال – بل عن «ضرورة حكومية» هي الطريق الاسهل، لمجابهة تحد كان من المتوقع نشوؤه منذ العدوان الامريكي على العراق العام .2003 لكن ثلاث حكومات متعاقبة لم تفعل شيئا جاداً لمواجهته على الرغم من انه كان ماثلا، والبدائل متوفرة، وخصوصا لجهة الشروع فورا في بناء احتياطي نفطي او اقله استخدام المساعدات الطارئة في شراء النفط بعقود آجله، تمكن الحكومة من ادارة الاقتصاد الوطني، بالمرونة اللازمة.
بدلا من ذلك جرى استهلاك المساعدات «المؤقتة» واموال الخصخصة في برامج غير ضرورية، ولاهداف غير عملية، ومخصصة لخدمة اثراء الاقلية الكمبرادورية او رشوة فئات اخرى.
لقد لاحظ الزميل طاهر العدوان، امس، عن حق، ان الكارثة التي نواجهها اليوم – وفي المستقبل – بسبب انفلات اسعار النفط، هي محصلة السياسات الاقتصادية المتبعة منذ اواسط التسعينيات، ومآلها افقار الخزينة العامة عن طريق بيع المؤسسات المدرة للدخل – وتبديد حاصل البيع – والاعفاءات والتسهيلات المختلفة للمستثمرين، وتلاشي القطاع العام، في الانتاج والخدمات والملكية العقارية معا.
ان الازمة الخانقة التي يواجهها الاقتصاد الوطني اليوم، تطرح على بساط البحث، فورا، ضرورة المراجعة الشاملة لمجمل السياسات الاقتصادية، بما في ذلك ضرورة احياء القطاع العام، وتفعيل دوره الاستثماري، ووقف او ابطاء الخصخصة، واخيرا: فرض الضريبة التصاعدية على الدخل، وكذلك الضريبة على الربح الرأسمالي في المجال العقاري.
اذا كان النفط هو عصب الاقتصاد الوطني، فان ادارة العمليات المرتبطة به لا يمكن اناطتها بالقطاع الخاص كما هو مزمع، بل تتطلب، تحديدا ادارة مثابرة اقتصادية، من قبل القطاع العام الذي يتوجب عليه، بالخصوص، توفير وترتيب الموارد لبناء الاحتياطي النفطي على المديين المنظور والاستراتيجي.
وفي كل الاحوال، فان الاردن لا يمكنه ان يقف مكتوف الايدي ازاء امكانية انهيار اقتصاده الوطني، ولا بد من شن حملة سياسية دبلوماسية للتفاهم مع دول الجوار النفطي، من اجل تأمين احتياجات الاردن النفطية بأسعار تفضيلية وثابتة – اقله لمدة عام كامل.
وهذه هي المهمة الاولى الملقاة على عاتق الدبلوماسية الاردنية – وليس مكافحة «الارهاب»!
اننا نواجه تسونامي او كاترينا نفطية. ولا يمكن للاقتصاد الاردني، بحال من الاحوال، ان يتحمل هذه الزيادات المتصاعدة، في سعر برميل النفط، ربما الى 100 دولار.
لم يعد بامكاننا الانتظار اكثر فاكثر، والقبول بتحميل المجتمع، آثار الزيادات المستمرة في اسعار المحروقات، لقد انكشفنا، وآن الأوان «لعباقرة» الاقتصاد، المتحكمين بالقرار الوطني، ان يتنحوا جانبا، هم وافكارهم ومشاريعهم وبرامجهم «وكومثيناتهم»، بحيث تعود العملية الاقتصادية الى سكة الالتزام بالاولويات الاجتماعية والوطنية؟.