ناهض حتّر
العبث بالرموز الوطنية، هو عبث بالدولة ومعناها،
يقع عيد استقلال الاردن في الخامس والعشرين من ايار. وهذا موعد مقدس ورمز ويوم لتجديد الولاء للوطن، واستنفار الوجدان من اجل المستقبل وتدريب الاجيال الجديدة على حب البلد والتفكير في احواله. اعني انه ليس مجرد «عطلة» يتم نقلها بقرار اداري الى اليوم التالي!
من سوء حظ عيد الاستقلال انه صادف الاربعاء، ولذلك فان المنطق العملي الذي يسيطر على الحكومة، ارجأ عطلة عيد الاستقلال الى الخميس.. بحيث يتمتع المواطنون بغياب «عن الوعي؟» ثلاثة ايام متصلة! هل يشجع ذلك السياحة المحلية؟شكرا.
أية حكومة تجرؤ في اي بلد في العالم على اللعب بالمواعيد الرمزية للوطن؟ غير ان تحطيم الرموز اصبح في بلدنا جزءا من سياق المعادلة؟؟ التي تحطم الدولة الوطنية ومعناها.
انا واحد من الذين يأخذون الدولة الوطنية الاردنية جدا.
لذلك فان هذا التعامل «العملي» اللامبالي بعيد الاستقلال، يصدمني ويؤلمني ويملأني بالشكوك إزاء القرار واصحابه ولعل القرار جاء عفوا ومن دون تفكير او قصد، وهذا أسوأ، طالما ان الذين يقررون لا ترتجف قلوبهم عند العبث بعطلة عيد الاستقلال.
العطل الوطنية ليست منحا حكومية ومكتسبات جماهيرية، بحيث يمكن نقلها وسدادها حسب الظروف والحاجة والمنطق العملي.
كلا: فعطلة عيد الاستقلال هي تحية وطنية لهذا اليوم الاغر العزيز على القلوب بحيث انه يستحيل فيه العمل والانشغال بغير الذكرى الوطنية، وكذلك عيد العمال من حيث هو يوم يعرب فيه المجتمع عن تقديره للعمل، الا يمكن مثلما يحدث نقله الى اليوم التالي.
هذه العقلية اللامبالية بالرمزية الوطنية والاجتماعية، ليس عندها خط احمر، وجد اني او سياسي، ففي النهاية، هناك ما لاتراه العين، ولا تمسكه الايدي، ولا يتجسد في كلمات، ولكنه موجود وله معنى.. وله قيمة تساوي الحياة الشخصية للذين في صدورهم قلوب تنبض.
وأنا اعرف ان هناك من ينظر الى الاردن بوصفه «مصطنعاً» مكررين، ببلاهة، ترهات تبدو ثوروية، لكنها تصبّ في طاحونة شارون!
وأنا اعرف ان هناك من لا يبالون بالاردن واستقلاله واستطيع ان افهم ضعف الحماس الوطني عند هؤلاء وهؤلاء لكنني لا استطيع ان اتفهم ان تقوم حكومة المملكة الاردنية الهاشمية.. بالبعث بعطلة عيد الاستقلال… وكأنها مجرد «اجازة».
* * *
مرة اخرى انا واحد من الذين يأخذون جداً الدولة الوطنية الاردنية، ولذلك، فحين كنت ناشطاً في اتحاد الشباب الديمقراطي الاردني في الجامعة الاردنية، العام ،1977 تحمست لقرار «الاتحاد» بالاحتفال بعيد الاستقلال، وكان ذلك بمثابة «الكفر» بالنسبة للحركات السياسية المسيطرة على الشارع الطلابي وقتذاك كانت الدولة الاردنية، عند هذه القوى، «بانرزون» استعماري يفصل العالم العربي عن القضية الفلسطينية، و«كيانا مصطنعاً» وسوى ذلك من قمامة الايدولوجية المعادية للاردن، والتي انتجها وعممها، منذ الستينات، محمد حسنين هيكل.
لكن، بالنسبة الينا، نحن الطالعين من صخور البلد، كان الاردن -وما يزال- وطننا ومحور مشروعنا الحياتي والفكري والسياسي. ونفخر بما تحقق من استقلاله، وبالتراث الكفاحي لشعبه، ونسعى لاستمرار هذا الكفاح من اجل تحقيق الاستقلال الكامل.
ارتكبنا «خطيئة» حب الاردن فلم يرحمنا «المناضلون» ولم يرحمنا «الامن» ففي الايدولوجية «الثوروية» ،انذاك كان الايمان بالاردن «خيانة»! وفي الايدولوجية الرسمية، كان «الولاء» شرطاً «للانتماء»!
«المناضلون» – في اغلبهم – تحولوا الى موظفين في سلطة الحكم الذاتي!! والى مقاتلين في صفوف الكمبرادور الاردني، واصبح بعضهم يطالبنا بالطيران «بجناحين» ويزاود علينا ويحرمنا من حقنا الطبيعي الانساني الابتدائي في ان نكون «وطنيين اردنيين» اما على المستوى الرسمي، فاصبحت «الوطنية» رديفاً للماضي البالي،ومعناها الجديد هو ان تفتح ابواب البلد على مصراعيها، لكي تصبح منطقة حرة مفتوحة بلا سيادة ولا هوية ولا كيان.
منذ ذاك اعني من ربيع العمر، تغيرت افكارنا ومقارباتنا لكننا لم نتغير.. حافظنا، دائماً «وابداً»، على التزامنا بخندق الاردن وطناً وشعباً ومشروعاً. ولذلك ما يزال «عيد الاستقلال» يعنينا باعتباره مناسبة نضالية، ولتجديد العزم على التصدي لاعداء الاردن في الخارج والداخل.