التقى الأمير حسن بأعضاء جمعية عيبال، بصفتها تمثل مدينة نابلس. تحدث الأمير مطوّلا، ولكن خلاصة أطروحته هي الآتية: حل الدولتين انتهى. أوسلو انتهت. وهذا يفتح الطريق لتصحيح المسار بالعودة إلى الأصل. وفي الأصل المملكة قامت على الضفتين، ويجب أن تعود كذلك.
ليست للأمير صفة رسمية، وجمعية عيبال، بطبيعة الحال، لا تمثّل نابلس، بل مواطنين أردنيين ـ لا يعني شيئا، من ناحية قانونية أو سياسية، أنهم، بالأصل، نوابلسة ـ واللقاء كله خارج الزمن؛ فقد مضى على فك الارتباط السياسي مع الضفة الغربية (1974) 38 عاما، وعلى فك الارتباط القانوني معها( 1988) 24 عاما، تكونت، خلالها، حقائق اجتماعية سياسية جديدة صلبة لم يعد ممكنا التراجع عنها. صحيح أن حل الدولتين لم يعد متداولا في عملية سلمية ماتت، مثلما ماتت اتفاقيات أوسلو، لكن الذاتية الوطنية الفلسطينية تشكّلت وتصلّبت، ولم يعد بإمكان المحتلين ولا المستوطنين، إلغاؤها. وهي تسير نحو دولة سيّدة، عاجلا أم آجلا. ولن يكون ذلك، بالضرورة، في عملية سلام، فالاحتمالات، في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مفتوحة اليوم، أكثر من أي وقت مضى.
فشل الحلقة الأولى من الثورة المصرية لا يغلق الباب أمام الحلقة الثانية التي ستدفع إلى الحكم بالقوى الوطنية الشعبية الناصرية واليسارية، وسورية ستخرج من امتحان النار أقوى في مواجهتها لإسرائيل، وحزب الله في لبنان تحوّل إلى قلعة ردع، والعراق يستعيد استقلاله. ولا يمكن، هنا، تجاهل العوامل الدولية المستجدة المتمثلة في الانتقال من حقبة القطب الواحد إلى التعددية القطبية التي تظهّر القطبين الدوليين، الروسي والصيني، والقطب الإقليمي الإيراني. وهي كلها قوى مؤيدة للشعب الفلسطيني.
لم يتطرق الأمير إلى معاهدة وادي عربة. هل ماتت هي الأخرى؟ بالطبع ماتت مع موت العملية السلمية، لكن لا أظن أن اقتراح الأمير لاسترداد الضفة الغربية إلى حضن المملكة، يشتمل على بديل المقاومة. أنا، شخصيا، مع هذا البديل، على أن تكون الضفة الغربية لأهلها وجزءا لا يتجزأ من المشروع الوطني الفلسطيني.
لكن ما يقصده الأمير هو العودة إلى التنافس مع منظمة التحرير الفلسطينية على كرسي المفاوضات مع الاحتلال، أي إلى إحياء العملية السلمية عبر الدور الأردني. ربما يفكر الأمير أنه، بذلك، يجدد مكانة المملكة الإقليمية، ومكانته شخصيا. غير أن كل ذلك أصبح من الماضي، ولن يتعاطى معه أحد، فلسطينيا وأردنيا وعربيا وإقليميا ودوليا، سوى أنه قد يلاقي المشروع الإسرائيلي للانسحاب الجزئي الأحادي من 44 بالمئة من الضفة الغربية، وإلقاء تبعات التجمعات السكانية فيها على عاتق الأردن. وبذلك، تحقق إسرائيل، ثلاثة أهداف: هدفا داخليا بحل مشكلة المستوطنات عن طريق ضمها، وهدفا سياسيا بالادعاء بأنها أوفت بالتزامات القرار الدولي 242، وهدفا أمنيا بتسليم أمن الكانتونات الفلسطينية إلى الأردنيين.
يدرك الأمير أن مسارا كهذا يتطلب دعم الأردنيين من أصول ضفّاوية. ولذلك، فهو يخطط للالتقاء بجمعيات تمثلهم. ولا يهم أن هذه الجمعيات هي جمعيات خيرية وجهوية لا سياسية، بل لنقلْ إن المشروع يقتضي تسييسها أو توظيفها سياسيا في الضفة الغربية مقابل المحاصصة شرقي النهر.
هنا نأتي إلى العقدة الرئيسية التي يتجاهلها الأمير، أعني حق الأردنيين في تقرير المصير. ينطلق الأمير من فرضية غياب الذاتية الوطنية السياسية للشرق أردنيين. يحسبهم ‘مضمونين’ وموافقين مسبقا على أية ترتيبات تخصّ وطنهم ودولتهم ومستقبلهم. وهو، لذلك، لا يخطط حتى لطرح أفكاره القديمة الجديدة على تجمعاتهم وجمعياتهم وحركاتهم الخ، بل أظنه يدرك أن هذه الأفكار لا مكان لها على أجندة الشرق أردنيين، المطلوب منهم أن يدفعوا، مرة أخرى، الثمن الباهظ للمشاريع السياسية الخاصة بتصفية القضية الفلسطينية.
يقول الأمير إن المملكة تأسست على الضفتين. وهذا غير صحيح. ذلك أن تأسيس الدولة الأردنية قرار اتخذه وطنيو شرق الأردن في مؤتمر أم قيس، عام 1920، وتضمن بندا صريحا برفض أية علاقة مع حكومة فلسطين، ثم أُعلنت الإمارة، عام 1921، والمملكة، عام 1946، واستكملت الدولة الأردنية، بذلك، شخصيتها الوطنية والعربية والدولية، قبل ضم الضفة الغربية عام 1950.
الحركة الوطنية الفلسطينية ـ والأردنية ـ لم توافق على الضم، وسعت، دائما، إلى تحقيق هدف الدولة الفلسطينية المستقلة. وهو ما انتزعته لاحقا بالنضال المثابر. وإذا كان هذا النضال قد تعثّر، فلسوف يتجدد، وسوف يقف الأردنيون ـ مثلما فعلوا دائما ـ مع أشقائهم الفلسطينيين لتحقيق هدف الاستقلال، لكن من دون أن يفرطوا، لحظة واحدة، بكيانهم ودولتهم التي أعادوا بناءها منذ السبعينيات على محور الوطنية الأردنية. ولن تستطيع قوة في هذا الكون كسر إرادتهم في الدفاع عنها .
العرب اليوم