ناهض حتّر
قال الخليفة الشاعر الوليد بن يزيد بن عبدالملك:
تذكّر شجوة القلب الجريح
فدمع العين منهلٌ سفوح
فان طرقتك بالبلقاء سلمى
هدوءا، والمطيّ بنا جموح!
وكان الوليد الذي انقضت خلافته سريعا كعمر الوردة (743-714 ميلادية)، اردنيا بلقاويا، يعشق البلقاء على عادة الامويين القديمة فمنذ وقت مبكر، كان لابي سفيان، والد مؤسس الدولة الاموية، معاوية، «ضيعة في البلقاء»، يزورها، ويقضي بعض الصيف فيها.
وللبلقاء حضور ضارب في التاريخ.. فحاضرتها السلط (من سالتوس=الارض الحرجية) كانت من ممتلكات التاج الروماني. وكانت اموية قبل الاسلام، وحاضرة الاردن التي حافظت على تنظيمها المديني ودورها كمركز اداري-تجاري، من دون انقطاع، منذ العام 1220 ميلادية. ففي ذلك العام، شيد الملك الايوبي المعظم عيسى، قلعة السلط في سياق الحرب مع الصليبيين. وما لبثت ان ازدهرت المدينة -والبلقاء كلها- في الفترة الايوبية-المملوكية، ولم تفقد حضورها وزهوها في المرحلة العثمانية: لقد كانت حاضرة البلقاء مركزا اداريا عثمانيا، وتأسست فيها غرفة للتجارة واخرى للزراعة، العام ،1883 ومجلس بلدي العام 1893 .
نهاية القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر-تأسس «حلف البلقاء» بل قل: حلف البلقاوية. وكان هذا الحلف مثابة تنظيم دولتي محلي (دويلة) مؤسس على التحالفات العشائرية الديمقراطية، وتنظيم الدفاع عن ارض البلقاء واهلها في مواجهة غزوات القبائل غير الاردنية (والوهابيين في القرنين 19 و20). وسالت دماء البلقاوية غزيرة، ذودا عن الارض والعرض والهوية.
حلف البلقاوية هو الذي قام بانتفاضة 1923 من اجل الحكم الوطني الدستوري الديمقراطي، وتأكيد هوية الاردن الوطنية وسيادته واستقلاله.
والبلقاء شهيرة بخيراتها.. وخصوصا جميدها وسمنها المعروف -عربيا- بالسمن البلقاوي. يقول الشاعر (من الجزيرة العربية)
سمنة هَل البلقا وتمرة هل الجوف
مع تمّن البصرة وحنطة هل الشام
وهذا تصنيف لاجود المأكولات العربية في الهلال الخصيب والجزيرة العربية.
واسم البلقاء مأخوذ من اسم الحصان «الابلق» وهو الذي يتزين جبينه بغرة بيضاء.. والبلقاء هي مؤنث الابلق.. وسميت بهذا الاسم الجميل.. لانها غّرة البلاد!
وتبقى حقيقتان:
– الاسماء التاريخية لا تتغير بقرارات ادارية
– .. ومثل البلقا.. ما تلقى.