ناهض حتّر
يحمل الملك عبدالله الثاني الى واشنطن، رؤية وخطة، تبلورتا داخل حلف الاعتدال العربي.
وتقوم «الرؤية» على المعطيات التالية:
1 – ان تأمين الاجماع والدعم العربيين، اللازمين لتهدئة العراق ومجابهة ايران، هو الامل الوحيد المتبقي امام الرئيس بوش للنجاح وانقاذ النفوذ الامريكي في المنطقة، وتعزيزه، قبل مغادرته البيت الابيض.
2 – ان ذلك كله، ليس ممكناً من دون تحقيق اختراق تاريخي على المسار الفلسطيني، يستعيد مكانة وهيبة الولايات المتحدة لدى العرب، ويخلق الاجواء المناسبة لتسوية الملفين العراقي واللبناني، بما يضمن المصالح الامريكية، ويعزل الايرانيين.
3 – ان هذه هي «الفرصة الاخيرة» امام طرفي التحالف الامريكي – العربي. فاذا لم يجر استغلالها بسرعة وتصميم ومثابرة، فان الموقف السياسي للتحالف سوف يتدهور على كل الجبهات.
وهذه «الرؤية» ليست واضحة امام ادارة بوش – تشيني، الميَّالة الى الحلول العسكرية – الامنية: التصعيد – حتى النهاية – في العراق ولبنان وفلسطين، وشن الحرب على ايران. وفي هذا السياق، يبرز بالطبع، دور اسرائىل، ويصبح من المتعذر ارغامها على ايّ شيء، بل وتغدو تغطية خططها التوسعيّة، ثمناً لا بد للادارة الامريكية من تسديده بلا نقاش.
وهكذا، فان الملك عبدالله الثاني ذاهب الى سجال ساخن مع ادارة بوش – تشيني، تعززه اللحظة الصعبة للادارة بين الهزيمة الوشيكة في العراق وبين ضغوط الديمقراطيين المتصاعدة في الكونغرس، التي قد تصيب الرئيس في مقتل سحب صلاحيات الحرب منه.
وزيرة الخارجية الامريكية، كوندوليزا رايس، هي حليف متوقع لرسول الاعتدال العربي لدى واشنطن. فهي تتبنى الخط العام «للرؤية» التي فصلناها قبل قليل، لكنها، بالطبع، تفكّر بالافادة من الآثار الايجابية لتحريك عملية السلام الفلسطينية – الاسرائيلية على المشاريع الامريكية في الشرق الاوسط، من دون ان يتحول «التحريك» الى «اختراق» فعلي.
وربما يتوصل التحالف الامريكي – العربي، الى هذه التسوية، على الرغم من ان المعتدلين العرب، يدركون انه من دون تغيير دراماتيكي على المسار الفلسطيني، عاجلا لا آجلا، فان الصورة لن تتغير. ومن المتوقع ان يتمسك الملك عبدالله الثاني بهذه النقطة، خصوصا وان للاردن مصلحة مباشرة لا تقبل التأجيل، في الحفاظ على الكيان الفلسطيني وتحويله الى دولة مستقرة قابلة للحياة، هي المفتاح لدرء خطر الوطن البديل.
ولدى المعتدلين العرب، خطة، سبق للرباعية العربية ان عرضتها في عمان على رايس، وهي تقوم على الآتي:
(1) استكمال اعادة ترتيب البيت الفلسطيني، انطلاقا من اتفاق مكة بين فتح وحماس، باقامة حكومة فلسطينية «متوازنة»، قبل انعقاد مؤتمر القمة العربية في الرياض، في آذار المقبل.
(2) ضمان اعتراف الحكومة الفلسطينية الجديدة بمبادرة السلام السعودية – العربية – المقررة في قمة بيروت عام 2002- بما في ذلك الاعتراف باسرائيل، وحل النزاع معها، على اساس الانسحاب الى حدود ال¯ 67 وعودة اللاجئين، مقابل سلام شامل مع جميع الدول العربية.
(2) الشروع، بعيد قمة الرياض، مباشرة، بمفاوضات اسرائيلية – فلسطينية، برعاية عربية وامريكية.
ولن تكون هناك صعوبات جديّة فيما يتصل بالتزام «حماس» بهذه الخطة، لكن المشلكة تظل تكمن في الموقف الاسرائيلي. فمن جهة، ليس لدى تل أبيب ما يدفعها الى تقديم «التنازلات» المطلوبة للحل، بل ليس لديها قيادة سياسية مؤهلة لذلك. ومن جهة اخرى، فان الضغط على الفلسطينيين للتنازل في مسائل الحدود واللاجئين والقدس، سوف يفجر انتفاضة ثالثة، ويؤزم المنطقة فوق التأزيم الحاصل.
الى ذلك، فان تجاهل المسار السوري – الاسرائيلي والاستمرار في عزل دمشق، سوف يدفعها الى تشديد تحالفها مع طهران، والتصعيد في العراق ولبنان، وربما في الجولان ايضا، في حين ان الاسرائيليين قد يهربون من الضغوط العربية والامريكية في احد طريقين وربما الى كليهما بالتتابع – هما: انتزاع موافقة بوش على ضرب ايران، وتشغيل المفاوضات مع سورية معزولة ومستضعفة – بعد الحاق الاذى الفادح بالايرانيين – اذن، فالسؤال الحقيقي الان هو ماذا بعد «الفرصة الاخيرة»؟ هل يملك المعتدلون العرب بديلا؟ هل يملك الاردن بديلاً؟.