كل القوى الأردنية أُصيبت، بعد الانتخابات وجراء نتائجها، بالإحباط؛
(1) النظام السياسي الذي نجح في تلافي الانكماش سلميا، وعزز شرعيته وصورته، محبط وهو يملك اليوم برلمانا يصعب اعتباره العتبة الملائمة للوفاء بالتزامات الحكومة البرلمانية التي يمكنها أن تتحمل المسؤوليات الضخمة للمرحلة ، بل ولا يملك التكوين اللازم للقيام بدور الوسيط السياسي مع الاحتجاجات الشعبية التي سوف تستمر وتتصاعد، جراء الفشل في إحداث تغيير تقدمي في المجال الاقتصادي الاجتماعي، وتكرار تجربة صندوق النقد الدولي القاسية والتي تعيد إنتاج وتضخيم الأزمة،
(2) والحراك الشعبي الذي نجح على مدار سنتين في فرض نفسه كعامل سياسي في البلاد، محبط وهو يصطدم بحقيقة غياب أي من ممثليه عن برلمان كان انتخابه دليلا على الفصام الواقعي الحاصل بين السياسة والانتخابات. وهو فصام سيستمر طالما أنه ليست هناك آلية لترجمة الحضور السياسي، انتخابيا. وسيجد الحراك نفسه، عما قليل، في مواجهة الفراغ بينما تظل الانفجارات الشعبية الساخنة متوقعة في كل حين،
(3) والإخوان المسلمون الذين سبق لهم ونجحوا، جزئيا، في جر قسم من الحراك الشعبي وراءهم، وعقد تحالفات سياسية، يجدون أنفسهم اليوم، محبطين ومعزولين؛ فبغضّ النظر عن نتائج العملية الانتخابية وبعض المطاعن الجزئية فيها، تظل حقيقة نجاح الانتخابات من حيث نسبة المشاركة في الترشيحات والاقتراع، ماثلة، مما يقوّض الموقف الإخواني. علينا أن نتذكر، هنا، أن الإخوان وضعوا كل ثقلهم وراء شعار رئيسي واحد هو تغيير النظام الانتخابي، ووجدوا أن الإصرار على المقاطعة، سوف يضطر النظام إلى عقد تسوية بشأنه تستجيب لمطالبهم. لكن المقاطعة فشلت، ولم تؤثر على سير العملية الانتخابية ولا على صدقيتها.
فماذا بعد؟ لقد انهار الخطاب ‘ الديموقراطي’ للإخوان المسلمين، مبكرا، في مصر التي فشل الحكم الإخواني فيها، جراء انفراده بالسلطة والتلاعب بها وعجزه عن إحداث أي تغيير جيوسياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ولم يعد بإمكانه الاستمرار من دون الطوارئ والشرطة والمليشيات والجيش. لا يوجد بديل لدى الأصل، فما بالك بالفرع الأردني؟ هكذا، ضغطت الأزمة على الجسم الإخواني باتجاه نكوص أجزاء منه وخسارة جزء آخر لصالح ممثلين سياسيين معتدلين أو بروز قوة إخوانية فاعلة تطالب قيادتها، علنا، بالنزول عن الشجرة،
(4) المجتمع الأردني الذي رأى صورته الحقيقية مكبرة في مرآة الانتخابات، محبط إزاء نفسه، وإزاء عملية التغيير التي بدت مطلوبة وممكنة في غضون السنتين الماضيتين. ولعل السؤال الذي يراود الكثيرين اليوم هو ما الذي حدث؟ هناك إجابة سهلة تحمّل المسؤولية للسياسات الرسمية التي اشتغلت على التفتيت الاجتماعي واثارة العصبيات وإشاعة الروح الفردية الخ وكل ذلك صحيح، بيد أنه لا يحجب حقيقة أن نجاح تلك السياسات ما كان ممكنا أصلا إلا لأنها تلاقي أرضا خصبة. شيء إضافي هو أن الحراك الشعبي الذي كسر الخوف وأتاح حرية التعبير والحضور السياسي الشعبي، أتاح للعصبيات العشائرية والجهوية والاتنية أن تشعر بثقة أكبر بالنفس، وقدرة أكبر على التعبير عن الجوانب السلبية في وعيها وممارساتها.
ما الذي يمكن عمله اليوم؟ فلنتذكر، أولا، أن النجاح النسبي للعملية الانتخابية بحد ذاتها، كان ولا يزال ضرورة جيوسياسية للدولة الأردنية في مواجهة مخاطر محدقة، لكن، لنتذكر، ثانيا، أن المهمات الوطنية التي لا بد من إنجازها لإنقاذ الدولة الأردنية، لا تزال ماثلة؛ استئصال الفساد وتنمية المحافظات وبناء اقتصاد عادل يوفر الفرص والعمل والخدمات للأغلبية في ظل الديموقراطية الاجتماعية. وهذه مهمات هي فوق استطاعة البرلمان حتى لو كان الأفضل. لكن لدينا بديل عن إنجازها. وهو ما ينبغي أن نفكر فيه، جماعيا و جديا؛ كيف؟
العرب اليوم