العرب اليوم
ناهض حتّر
استضافتني فضائية (العالم) الإيرانية -الناطقة بالعربية -مع الدكتور موفق الربيعي من لجنة التنسيق بين القوى السياسية العراقية (المعارضة سابقاً) وكانت فرصة للحوار المباشر حول: ماذا يحدث في العراق الآن؟! في وسيلة إعلامية مهمة من حيث أن تلفزيون (العالم) يشاهد في العراق باللواقط العاديّة. وهو، لذلك، يحظى بالمشاهدة في بلد يفتقر إلى محطة تلفزيون أرضية، ولا تحظى فيه أغلبية الناس بثمن الستالايت.
لقد اغتنمها الربيعي فرصة لكي يشرح للعراقيين والعرب، الجوانب الإيجابية من إجراءات حاكم العراق الأميركي، برايمر. صحيح أن الربيعي أكد المطالبة بحكومة انتقالية عراقية، ولكنه أبدى دعمه للعمليات الاستئصالية الإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الأميركي ضد المقاومة العراقية، باعتبار الأخيرة مكونة من بعثيين وصداميين وأعضاء في تنظيم “القاعدة”. وقد بشرنا الربيعي بأن المحتلين سيتمكنون في غضون ستة أشهر من القضاء على المقاومة لأنها “من غير جذور”… ولأنها لا تحظى بتأييد الشعب العراقي!
وقد خفف الربيعي من سلبيات الإجراءات الاحتلالية، وشرحها بحيث تبدو في سياق اعتيادي. وقال إن الخلاف بين “القوى السياسية العراقية”-المعارضة سابقاً-وبين “التحالف” يكمن في أن الجانب العراقي يعطي الأولوية لإعادة البناء السياسي، بينما يريد الجانب الأميركي أن يبدأ أولاً بإعادة الإعمار الاقتصادي وحفظ الأمن. وقد أكد الربيعي أن هذا الخلاف يتم حلّه بالضغط السياسي السلمي.
ومن الملاحظ أن الربيعي يلخص الموقف السياسي للمعارضة العراقية السابقة بكل أطيافها-بما في ذلك جماعة الباجه جي. وهو موقف ينطلق من حتمية التعامل مع الواقع الاحتلالي، وأولوية استئصال البعث… على إنهاء الاحتلال.
هل يعكس هذا الموقف، إلى هذا الحد أو ذاك، “الموقف العام” للأوساط الكردية والشيعية! ينبغي أن نتحقق من ذلك ميدانياً، سوى أن نشاط القوى السياسية الحليفة للاحتلال في تلك الأوساط، لا يستهان بتأثيره فيها.
لقد حاولت -دون جدوى-أن أوضح للربيعي ما يلي:
1- إن الشرعية الوطنية الوحيدة في العراق المحتل هي للمقاومة المسلحة. وذلك بغض النظر عن طبيعة قوى المقاومة وكونها بعثية. فهذا لا يعني سوى أن حزب البعث والرئيس صدام حسين ما يزالان يمثلان الشرعية العراقية. وإذا ما نجح المشروع البعثي -الصدامي في إدامة المقاومة المسلحة وتطويرها، فالأرجح أن القسم الرئيسي من الشعب العراقي-ومن كل الطوائف والإثنيات والاتجاهات-سوف يلتف، مرة أخرى، حول البعث باعتباره يمثل شرعية المقاومة.
إن استراتيجية التعاون مع الاحتلال، سوف تحرق المتعاونين وتفقدهم كل شرعية وطنية. وستجعلهم-كما هو حاصل بالفعل-على هامش الأحداث… التي يصنعها طرفان: الاحتلال… والمقاومة.
2- إن فكرة استئصال البعثيين… وهم في العراق قوة اجتماعية-سياسية رئيسية، بالإضافة إلى أنهم يمثلونه، بصورة ما، العرب السنة -هي فكرة فاشيّة، وتقود إلى الحرب الأهلية. وإلى عزل العراق عن محيطه العربي. ولا يستطيع وطني عراقي يريد فعلاً إعادة تأسيس العراق على قواعد الديمقراطية، أن يطالب-في الآن نفسه-باستئصال البعثيين ومساندة قوات الاحتلال في مطاردتها الإجرامية لقياداتهم وجمهورهم.
3- إن عراق المستقبل هو الذي تتوحد في إنشائه كل قواه الاجتماعية–السياسية، في إطار المقاومة. والحزب العراقي الذي لا يلتحق بالمقاومة سيجد نفسه خارج الوطنية العراقية، وخارج الدولة العراقية.
إنه لمن المعيب حقاً أن يؤيد سياسي عراقي أو عربي، أو يصمت على المذابح التي يقوم بها المحتلون الأميركيون ضد المقاومة العراقية وجمهورها… غير أن الأمر بالنسبة للقوى السياسية العراقية-المعارضة سابقاً-يتعدى ذلك إلى انجرارها نحو الانتحار السياسي. فالاحتلال سيرحل، ولن يبقى في الساحة غير المقاومين. وهؤلاء هم الذين سيحكمون العراق… بينما يذهب عملاء الاحتلال إلى مزبلة التاريخ.