كان ما سوف يكون؛ توصلت إيران والدول الكبرى إلى تسوية شاملة للملف النووي شملت الاعتراف بإيران بلدا نوويا في المجال السلمي، ورفع العقوبات الدولية والغربية عنها. بذلك، لم تعد هناك عقبات سياسية، أمام تطوير العلاقات الأردنية ـ الإيرانية تودّ طهران إقامة علاقات وثيقة مع عمّان. وأستطيع القول، بناء على لقاءات معمقة وصريحة أجريتها مع مسؤولين ومثقفين إيرانيين، ومع أوساط في قلب آلية صنع القرار في إيران، أن المطالب الفعلية الإيرانية من الأردن، تتلخص فيما يلي:
أولا، تدرك إيران الأهمية الجيوبولوتيكية لاستقرار المملكة. وهي تعتقد أن تعزيز هذا الاستقرار يتم من خلال اتباع سياسة الحياد عن الصراعات الإقليمية؛ لا تريد طهران منا الانحياز لمحورها الإقليمي، وإنما الحياد الأردني بين المحاور.
ثانيا، تدرك إيران الأهمية المعنوية لمكانة العائلة المالكة الهاشمية. وهي تأمل أن تقوم المملكة بدور عربي رئيسي في الدعوة إلى التقريب بين المذاهب، وتجاوز الصراعات المذهبية، والتأكيد على قيم التسامح.
ثالثا، تدرك إيران الميزات التفضيلية لمكانة المملكة على المستوى العربي، وقدرتها على تجسير الهوة بين الإيرانيين والعرب.
رابعا، إن التعاون الاقتصادي الإيراني ـ الأردني، له ممر اجباري هو العراق، ما يستلزم نوعا من التفاهمات بين البلدين حول الملف العراقي؛ خصوصا وأن لكل منهما نفوذ في البلد الوسيط؛ إيران في الجنوب والوسط، والأردن في الغرب والشمال.
ما الذي نريده من طهران؟
وفي حواراتي مع المسؤولين الإيرانيين المعنيين، طالبتُ بما يلي:
أولا، تفهّم الهواجس الأردنية الواقعية إزاء مخاطر الوطن البديل والدولة البديلة، ودعم الشعب الأردني في مواجهة هذه المخاطر.
ثانيا، وقف أي اتصال إيراني بقوى الإسلام السياسي أو حماس أو المنظمات الفلسطينية في الأردن، وحصر العلاقات غير الحكومية بين الإيرانيين والأردنيين في جمعية مقوننة للصداقة بين الشعبين، تنظم التبادل الثقافي والأكاديمي والحوار الفكري والسياسي الخ.
في ما يتصل بالنقطة الأولى، وجدتُ قبولا وترحيبا ايرانيا باعتماد مناهضة الوطن البديل، كمحور من محاور السياسة الخارجية الإيرانية. أما النقطة الثانية، فقد استلزم اقناع الإيرانيين بها، حوارات شاقة، ولكنها انتهت بالقبول بها. وفي غضون شهر من الآن، سيتوجه وفد أردني شعبي وازن إلى طهران، لتثبيت هذه النقطة، والشروع في إقامة جمعية صداقة وإخاء بين الشعبين، تنحصر فيها العلاقات الشعبية.
ثالثا، وهناك، أيضا، نقطة شائكة تتعلق بالتوجه الإيراني لتسليح الضفة الغربية؛ هنا ينبغي أن نوضح لطهران أن الوضع الجغرافي والديموغرافي للضفة يختلف عن غزة التي تفصلها صحراء شاسعة عن العمق المصري، بينما تلتصق الضفة بالأراضي الأردنية المأهولة. وفي حال احتدام صدام مسلح في الضفة، فإننا سنكون أمام خطر نزوح كثيف ـ ودائم ـ لمواطني الضفة باتجاه الأردن. هذه النقطة ممكنة الحل مع الإيرانيين. ومن تجربتي، وجدت أن الحوار الصريح والعملي مجد مع العقل الإيراني البراجماتي.
في مسار تطوير العلاقات الأردنية ـ الإيرانية، فإن إيران مستعدة لتزويد الأردن بالبترول والغاز والكهرباء، بأسعار تفضيلية، وحتى بنمط من المقايضة. لقد حققت ايران تقدما هائلا في مجالات نحن بأمس الحاجة إليها : الجامعات التقنية المعترَف بها عالميا، وتطوير تقنيات الزراعة، والطب ، والتنظيم البلدي الخ ..
ماذا تريد إيران من الأردن، وماذا نريد منها؟
Posted in Uncategorized.