ناهض حتّر
حلفاء الولايات المتحدة، واعضاء النخب التقليدية من السياسيين والكتّاب والفاعلين، هؤلاء – جميعاً – في حالة ذهول وارتكاس ازاء الانتصار الذي حققه حزب الله – ولبنان – على اسرائيل، وفي حالة قلق مبهم من مفاعيل هذا الانتصار، الآتية.
كان العمود الفقري للخطاب والممارسة السياسية، عندهم، هو جملة من المطلقات الراسخة: القدرة شبه الالهية للولايات المتحدة في تنفيذ سياساتها ومخططاتها، والقدرة الردعية التي لا تمس للجيش الاسرائيلي، واستكانة الشعوب، والرؤية الليبرالية الاقتصادية كمجال وحيد للتحديث في مجتمعات متخلفة تمزقها الانقسامات الطائفية والاثنية والمناطقية.. الخ.
وخلال 33 يوماً من الحرب اللبنانية – الاسرائيلية، لم يخامرهم الشك في ان اسرائيل سوف تحسم الموقف في النهاية، لكن، فجأة، استسلمت تل ابيب، وانهار عالم كامل من القناعات والخطاب والممارسة. وبدا المستقبل بالنسبة للنخب المسيطرة، غامضاً، كل شيء ممكن اذن! الهزيمة الامريكية، وصحوة الشعوب، وتعافي المجتمعات وظهور موجة نهضوية جديدة.. تطرح الاسئلة الكبرى حول التقدم العربي..
النخب المعارضة هي ايضاً، في حالة ذهول. فهذه النخب كانت – وربما لا تزال – اسيرة المطلقات الرسمية الراسخة، ولذلك، فان خطابها وممارستها، ظلا يدوران في الملعب الرسمي. المعارضات القديمة لم تدرك، بعد، ان شروط اللعبة قد تغيرت… فالسؤال المطروح الان ماذا بعد الانتصار؟
«الشرق الاوسط» كله يهتز بعنف.. حتى اولئك الذين كسبوا الجولة في دمشق وطهران، سوف يكتشفون انه من المستحيل الاحتفاظ بالعقليات القديمة والاستراتيجيات القديمة.
لا تستطيع دمشق، بعد، الاستمرار في سياسة «الدفاع خارج الاسوار» بوساطة الحلفاء، عليها، ايضا، ان تبدأ الدفاع داخل الاسوار .. على جبهة الجولان. ولا نريد ان نتدخل في المواعيد التي للقيادة السورية تقديرها .. لكن احدا، بعد ما حققه مقاتلو حزب الله في جنوب لبنان، وبعد الصمود اللبناني والصبر على التضحيات الجسيمة، لن يكون في وارد الاقتناع بأن سورية لا تملك الامكانيات للقتال.
ولا تستطيع طهران، بعد، الاستمرار في «لعبة الشطرنج» الاقليمية، فالخطاب المعادي للولايات المتحدة لا ينسجم مع تشجيع «العملية السياسية» الامريكية في العراق، او تشجيع الانقسام الطائفي او تهدئة المحافظات الجنوبية في مواجهة المحتلين.
تهديد طهران بقصف تل ابيب .. او حتى قصفها بالفعل، اصبح الان، بعد 12 تموز، اصغر من الجمهورية الاسلامية في ايران. المطلوب هو التصدي للاحتلال الامريكي في العراق، ونزع الغطاء عن «العملية السياسية»، والحكومة، وتحويل البنادق الى صدور المحتلين.
الحزب الشيوعي اللبناني صحا من الهزيمة الى الفعل المقاوم، ولكن ماذا يفعل اليساريون العرب من المحيط الى الخليج؟ اين هي قراراتهم ومبادراتهم للجديد في المنطقة؟ وماذا يفعل الحزب الشيوعي العراقي في المكاتب المرخصة من قبل المحتلين؟
هل سيتمكن الاخوان المسلمون من فهم التغيير التاريخي الحاصل بعد الانتصار اللبناني؟ هل يدركون بأن انموذجهم لم يعد مقبولا او ذا صدقية ازاء الانموذج اللبناني؟! نحن لا نتحدث عن الانموذج المقاتل- الا بالنسبة ل¯ «حماس» – ولكننا نتحدث عن الانموذج السياسي والاداري، وعن الخطاب السياسي والممارسة السياسية؟ كيف ولماذا عجزت الحركة الاسلامية التقليدية عن بناء احزاب حديثة تعانق المستقبل – بدلاً من تكرار الفوات -.