ليس ايرانياً…

ناهض حتّر
الربط بين عودة حزب الله إلى الاشتباك مع اسرائىل، وبين تخفيف الضغوط على ايران في مسألة الملف النووي، له، ظاهرياً، وجاهة، لكنها تتبدد عندما نطرح السؤال عما اذا كانت طهران تريد، إذن، تسريع الحرب الأمريكية ضدها؟ كلا. ان مؤسسة الحكم الايرانية، تسعى إلى صفقة مع الولايات المتحدة، وتعتبر ان لديها أوراقاً قوية لعقد هذه الصفقة، منها حزب الله. ولكن حزب الله لا يعود «ورقة»او «أداة»، حالما يبدأ هو بالهجوم، ولا ينتظر مجريات الصراع الأمريكي – الايراني. فالقوى التابعة تنتظر ولا تبادر استراتيجياً. وهذا لا ينفي، بالطبع، العلاقات متعددة المستويات، بين حزب الله وبين طهران ودمشق.. ولكن حزب اللّه، في مبادرته الأخيرة، وضع نفسه في قيادة هذا المحور.. أو قل انه حسم نقاشاً دائراً داخل هذا المحور بين الجمود والانتظار وبين الحركة والهجوم، وأنشأ سياقاً جديداً لتطور الاحداث، وضع طهران ودمشق في الخنادق، من دون ان يكون لهما -موضوعياً- القدرة على لجم الاشتباك اللبناني- الاسرائيلي. فالحرب بدأت بالفعل. و«المغامرة» تحولت إلى لحظة استراتيجية.

مبادرة حزب الله إلى الهجوم، تنطلق – بالعكس- من موقع غير ايراني، بل من ضرورات تمليها المصالح التاريخية للتشيّع العربي الذي لحقت به اضرار فادحة جراء الارتباط بالبراجماتية الايرانية منذ العام 2001 والتفاهم المتواطىء بين النظام الايراني والولايات المتحدة في افغانستان، ثم، على نحو اكبر، في العراق، حيث ادت السياسة التوسعية الايرانية المتواطئة مع الامريكيين إلى تحويل الشيعة العراقيين من ذات تاريخية مؤهلة لاعادة بناء البلد كمركز قومي إلى موضوع للنفوذ الايراني و«قاعدة» للمشروع الأمريكي. وقد ادى ذلك إلى الحاق ضرر فادح بالتشيع العربي وسمعته وقدرته ودوره على الصعيد العربي، وبروز ظاهرة الانقسام الشيعي- السني، التي تكاد أن تتحول إلى حرب اهلية في العراق.

أكبر الخاسرين من السياسة الايرانية في العراق، كان حزب اللّه الذي وجد نفسه في مأزق متعدد الأبعاد «1» فهو خسر التأييد الجماهيري العربي الاجماعي اللاطائفي الذي كسبه بالانتصار على اسرائيل، واجبارها على الانسحاب من جنوب لبنان سنة ألفين.

«2» وهو دخل في تناقض داخلي هدام بانزلاقه -أو قل باضطراره إلى اتباع ازدواجية المعايير من حيث انه يبني شرعية وجوده ودوره على شرعية المقاومة في لبنان، بينما هو يعارض المقاومة في العراق «3» وهو قبل جراء الوهن الذي لحق بموقفه السياسي، لبنانياً وعربياً، بالتحالف مع قوى 14 اذار المتأمركة في انتخابات 2005 ، والمشاركة في حكومتها «4» ومارس الحزب -بالفعل- هدنة مديدة مع اسرائيل.

وقد أضعف كل ذلك الشرعية الوطنية والقومية لسلاحه، واصبح مكشوفاً ازاء القرار الدولي 1559 بتفكيكه.

وقد كان الجمود الحاصل، بل الفراغ السياسي على المستوى العربي، واحتمالات المصالحة الايرانية – الامريكية، وصول المقاومة العراقية إلى مأزق طائفي، وانزلاق معظم القوى الشيعية العراقية إلى مواقع طائفية، ومن ثم الهجمة الاسرائيلية الضارية على الحكومة الحماسية في سياق المشروع الاسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية.. كان كل ذلك يقض مضاجع حزب الله، وينذره بالانكشاف الاستراتيجي والتآكل في موقعه ودوره في لبنان.

ولم يبق التصعيد الاسرائيلي المتغطرس ضد غزة، الكثير من الوقت امام حزب اللّه لكي يبادر لانقاذ مشروع «التشيع العربي» الذي يقوده الحزب، ويهدف إلى تصحيح موقع ودور الشيعة العرب في حركة الأمة وهو دور طالما كان مغيباً.

حزب الله الذي أفاد من الهدنة في تعزيز قدراته العسكرية، وأفاد -خصوصاً- من وصول المتشدد احمدي نجاد إلى الرئاسة الايرانية للحصول على السلاح والدعم السياسي، يسعى -أي حزب الله- الآن إلى تحقيق الآتي:

(1) اسقاط معادلة 14 اذار الحاكمة في لبنان

(2) اسقاط الانقسام الشيعي- السني وتلافي الحرب الاهلية في العراق- واستحقاقاتها اللبنانية.

(3) دفع التيارات الشيعية العراقية الوطنية إلى المجابهة مع الاحتلال الأمريكي، واعادة تأسيس المقاومة العراقية على أسس الاجماع الوطني.

(4) تلافي الحرب الاهلية في فلسطين وآثارها المدمرة على المنطقة.

وذلك، بالطبع، من خلال كسر المعادلة السياسية العسكرية الاسرائيلية القائمة على الاستفراد بالفلسطينيين، ومواصلة تدميرهم، وتصفية قضيتهم، وسط استمرار وتعمق «السلام» مع العالم العربي.

ان «مغامرة» حزب الله في الانتصار للشعب الفلسطيني، تتضمن أو قل تتركز على رسالة تاريخية تجسدت في اعمال كفاحية وليس بالمواعظ والنوايا الحسنة. وهذه الرسالة تتكون من بندين:

(1) ضرورة تجاوز الانقسام الشيعي- السني، ووحدة العرب في مجابهة العدو الامريكي – الاسرائيلي.

(2) ضرورة الاعتراف بمكانة ودور الشيعة العرب كأساس لقيام عروبة جديدة ديمقراطية تعترف بالتنوع الديني والمذهبي والقطري والسياسيّ والفكري، داخل الوحدة.

وهذا كلّه ليس ايرانياً، انه عربي مئة بالمئة.

Posted in Uncategorized.