ناهض حتّر
من المفروغ منه أن النهج الحكومي الأردني يبني سياساته على أساس التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية. ومن الواضح أن هذا “التحالف” ليس هيناً بالنسبة للاستراتيجية الأميركية. فتأمين الاستقرار العميق في بلد يقع بين فلسطين والعراق، وحده، ثمين جداً. والتوطين، وحده، ثمين جداً. فما بالك بالسلام الثنائي مع إسرائيل، والتطبيع والتعاون معها في ظل انهيار عملية السلام على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية؟! وما بالك بالعلاقات الطبيعية مع اليمين الإسرائيلي، ودعم “المبادرات” المصممة لتخفيف الضغط عن المشروع الاستعماري الأميركي المتأزم في العراق؟! وما بالك، أخيراً وليس آخراً، بالوقوف إلى جانب الترتيبات السياسية التي ينشئها الأميركيون في أرض الرافدين، أولاً بأول، من دون سؤال أو ملاحظة؟!
هل يتصور الأميركيون ماذا يكون عليه الحال لو أن عمان تتخذ سياسات مضادة للتوطين؟ أو أنها تدير ظهرها لإسرائيل الشارونية؟ أو أنها تدعم المقاومة الفلسطينية… أو– وهذا هو الأهم-المقاومة العراقية؟! ماذا لو وقفت عمان، بقوة، ضد مجلس الحكم العراقي العميل؟! ماذا لو أنها دافعت، بقوة، عن مصالحها الاستراتيجية في العراق؟! ورفعت، هناك، راية السنة؟!
ستقولون لي إن إسرائيل ستجتاح الأردن مثلاً؟! أي أنها ستأتي إلى مقبرتها كما يحدث للأميركيين في العراق!! أم ستقولون إن الأميركيين يحمون النظام الأردني الذي لا يواجه أي مخاطر داخليّة؟! انظروا ان الولايات المتحدة الأميركية هي التي تحتاج النظام الأردني وليس العكس. ولكي تدركون ذلك جيداً، تفحصوا تجربة أميركا في العراق.
وما يحيّرني بشدّة أن النهج الحكومي الأردني يقبل القيام بأقوى الأدوار في الشرق الأوسط… بلا ثمن!!
كيف تقبل– مثلاً– توقف المنحة النفطية العراقية وكأنه قدر؟! نحن لم نعرقل الحرب ضد نظام الرئيس صدام حسين الذي كان يمنحنا (500) مليون دولار سنوياً… بل كنّا جزءاً من التحالف ضدّه! أي أننا تحالفنا ضد أنفسنا!!
كيف نقبل– مثلاً-أن نشطب القرار الدولي 194 هكذا… مجاناً… وبمبادرة منّا؟! هل علينا أيضاً أن ندفع تكاليف التوطين؟! وما يحيرني ويدهشني أن مشكلة الأردن الاقتصادية التي قد تدخله في مأزق اجتماعي– سياسي لا يستطيع أحد أن يقدر تبعاته وتفاعلاته، هي، بالحسابات الأميركية، صغيرة جداً… بل قل تافهة. فكل ما يتطلبه إنقاذ الاقتصاد الأردني من وهدته العميقة، لا يتجاوز عشرة مليارات دولار أميركي أي ما يوازي كلفة الاحتلال الأميركي للعراق في شهرين!! وهذا المبلغ الصغير بالحسابات الأميركية، يتضمن شطب المديونية الأردنية، وتمويل جملة المشاريع الإنمائية الأساسية في البلاد، ومن ضمنها قناة البحرين، وإحداث انطلاقة اقتصادية تكفل إقامة أنموذج ديمقراطي ناجح في الشرق الأوسط.
لا يفكّر عباقرة المجموعة الاقتصادية استراتيجياً، ولا حتى فنياً، بل يتذاكون علينا في إدارة لعبة بائسة من الدوران حول الذات، وإفقار البلد والناس لحساب الأقلية الكمبرادورية. كيف سيواجه الأردن، في الآن نفسه، استحقاقات سداد المديونية العامة، وخسارة المنحة النفطية العراقية، وتمويل الحدّ الأدني الضروري من المشاريع الإنمائية اللازمة لاجتذاب الاستثمارات؛ بل كيف يتدبر البنود الاعتيادية في الموازنة العامة؟! وهل تعتقد الحكومة الأردنية، أن “تلفيق” موازنة 2004، هو أنموذج لحل استراتيجي؟!
ونحن، الأردنيين، نخجل من أن نقول لحكومتنا كيف تمنحون الولايات المتحدة الأميركية، كل هذه الخدمات الاستراتيجية الثمينة جداً، وتقبلون، بعد ذلك، بمساعدات هزيلة وبضعة مناطق صناعية مؤهلة بالشراكة مع إسرائيل؟!
ونحن نخجل لأننا نأبى أن نساوم على مواقفنا السياسية!! غير أن هذا الخجل لا معنى له طالما أننا نسير في الركب الأميركي. فلماذا مجاناً؟!
لا يمكننا “الاستمرار” من دون شطب المديونية، ومن دون المنحة النفطية العراقية… ومن دون مساعدات سخيّة وبالمليارات! هل تستطيعون أن تقولوا ذلك للأميركيين؟! قولوه رجاءً، الآن، ضعوه على الطاولة… فأصدقائكم في أزمة حقيقية في العراق وفلسطين… وهم يحتاجونكم أكثر من أيّ وقت مضى!!
لماذا لا يدفعون ثمناً “عادلاً”؟!