لماذا تخسرون الرهان الآن، ومتى سنخسره؟

ثلاثة أنماط مسيطرة من التعليقات الصحافية الأردنية على الأحداث السورية، يجمعها كلها غياب العقل التحليلي والخضوع لمرجعية ‘ الجزيرة’ و’العربية’ و’البي بي سي’ وسواها من المنابر الإعلامية الموجهة من الغرف الاستخبارية. ويتميز أولها بالتعبير عن الحقد ‘الإخواني’ الدفين ضد الدولة السورية التقدمية العلمانية، ويتميّز الثاني بضحالته الليبرالية التي لا ترى في الحرب الكونية الدائرة في سورية وحولها إلا ما يتعلق بالعنف السلطوي ـ مع تناسي العنف الرئيسي للجهاديين وعملاء الاستخبارات الأجنبية ـ ويتميّز ثالثها بصدوره عن غرائز طائفية صريحة أو مستترة.التغطيات والكتابات حول سورية في الصحف والمواقع والفضائيات الأردنية، لا تمنح المتلقي معرفة تحليلية أو حتى صحيحة بالأحداث، وانما تشحنه وتشوّشه في سياق موجه. بل إن بعض تلك التغطيات والكتابات، يمكن تحويله إلى القضاء بتهمة التشجيع على الإرهاب. وهو جرم مدان بموجب قانون العقوبات الساري المفعول.
تتكرر، في كلام ‘ المحللين’، أحكام من قبيل ‘ النظام السوري ساقط لا محالة ‘ وكأن عبارة ‘ لا محالة ‘ كافية كبرهان! لم يقل لنا أحد ما هي المعطيات الملموسة في موازين القوى التي ستؤدي إلى سقوط الأسد ‘ لا محالة’! نحن، من جهتنا، نقول: الأسد باق.. ليس استنادا إلى رغبتنا، وإنما استنادا إلى المعطيات التالية:
ـ أكثر من نصف الشعب السوري يدعم رئيسه بصورة تامة لاعتبارات عصبوية واجتماعية ومؤسسية، وأكثر من نصف الباقين يؤيد بقاءه حفاظا على الاستقرار والأمن والمصالح الفئوية. ولو ترشّح الأسد غدا في انتخابات رئاسية حرة تحت الإشراف الدولي، فسيفوز بنسبة 57 بالمئة من أصوات السوريين. هل تقبلون بهذا التحدي؟
ـ الجيش السوري قوي ومتماسك. وهو جيش وطني وعقائدي ولا يمكن تفكيكه. وما يحصل على هوامشه من فرار اعتيادي جدا ولم يصل إلى 5 بالمئة من عديد ضباطه وأفراده الذين يزيدون على نصف مليون.
ـ الخروقات الأمنية تحصل في كل مكان حتى في اجتماعات السي آي إيه. لكن الخرق الأمني لا يمكن تكراره، وحصوله من دون مفاعيله يجعله بلا قيمة من الناحية السياسية والتنظيمية.
ـ للنظام السوري حليف دولي ثابت يتمثل في التحالف الروسي الصيني. ولهذا التحالف، مصلحة استراتيجية ليس فقط في الحفاظ على النظام السوري، بل في رئاسة الأسد كرمز لانتصار التعددية القطبية.
ـ وللنظام السوري لفيف من الحلفاء الإقليميين المؤثرين، حزب الله في لبنان، المستعد للاشتباك فورا مع إسرائيل حالما تعتدي على سورية، وإيران ـ بقدراتها التسليحية والمالية وتأثيرها في العراق ـ
ـ وفوق ذلك كله، للنظام السوري جمهور من المؤيدين في لبنان والأردن والبلدان العربية، من القوميين واليساريين والعلمانيين.
بالمقابل، نحن لا نستهين، أبدا، بالحلف المعادي لسورية وجيشها ورئيسها من الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الاستعمارية واسرائيل والخليج والحركات الأصولية والليبرالية والمرتبطين بمراكز التمويل الأجنبي ..الخ . ويستخدم هذا الحلف أسلحة فتّاكة ضد النظام السوري من البترودولارات إلى التنظيمات الإرهابية والأجهزة الاستخبارية والفضائيات والشبكات الإعلامية وعناصر التحريض الطائفي والمذهبي.
وقوة الهجمة وضخامتها ـ وتحررها من أبسط قواعد القانون الدولي والشرف ـ تجعل من المواجهة القائمة في سورية بالغة العنف والشراسة، لكن من الناحية الاستراتيجية، لن تستطيع مجموعات مسلحة ـ أصبح معروفا أنها تضم الكثير من المرتزقة والإرهابيين الأجانب ـ أن تحسم المعركة، إلا في حالة الغزو الغربي الواسع النطاق. عندها قد نخسر نحن الرهان، ولكننا سنكون في الخندق المشرّف.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.