أولا، الهدف من الإنتخابات، كما هو معروف، هو إفراز ممثلين للشعب ـ مصدر السلطات ـ يمنحون الثقة لحكومة ذات ولاية عامة مسؤولة أمام البرلمان والرأي العام والقانون، ولا يمارس فيها الملك المحصّن من كل تبعة أو مسؤولية، أي صلاحيات إلا من خلال وزرائه الذين لا تعفيهم أوامر الملك الشفوية أو المكتوبة من المسؤولية. هذا هو جوهر الدستور الأردني. وعلى رغم أن الأمر الواقع لم يكن متطابقا مع هذا الجوهر، وكان حقلا الدفاع والأمن ـ عدا الشؤون الخارجية ـ من الصلاحيات الفعلية للملك؛ إلا أن النص الدستوري كان يمنح الأمل بالتغيير من خلال العمل السياسي والنيابي؛ غير أن التعديلات الدستورية لسنة 2016، ألغت هذا الأمل حتى من الناحية النظرية؛ فقد حولت الدستور الأردني إلى دستور مَلَكية مطلقة، ونسفت أسسه، وأنهت شرعية العملية السياسية برمتها؛ثانيا، وإذا كان أمام البرلمان وحكومته، مع ذلك، فرصة قانونية وواقعية لاتخاذ القرار في المجال الاقتصادي؛ فقد جاء قانون ‘ صندوق الاستثمار الأردني’ لكي يشطب السيادة الوطنية في المجال الاقتصادي كليا، وانتقل القرار الاقتصادي ـ بغض النظر عن أي قانون آخر ـ إلى أيدي ‘ المستثمرين’ الذين يقررون شكل ومحتوى الاستثمار، ويتمتعون بكل أشكال التسهيلات والإعفاءات الجمركية والضريبية، وممارسة صلاحيات مجلس الوزراء حتى في استملاك الأراضي والعقارات لأغراض استثمارية؛ إنه لمن المدهش أن يعود فريق باسم عوض الله وشركاه إلى الواجهة، مرة أخرى، وتقديم السياسات والوعود نفسها التي نجمت عنها مديونية خيالية ( 25 مليار دينار غير قابلة للسداد واقعيا) وجملة ملفات الفساد والفشل الإداري. الشيء الجديد الوحيد في تكرار مأساة 2005 ـ 2010، هي قوننة مؤسسة الفساد الكبير، ومنحها السيادة على الاقتصاد الأردني؛ثالثا، وإذا كان هدف العملية الانتخابية، رغم انتفاء أي نتيجة لها في تحديد السياسات والقرارات، يبقى التمثيل السياسي للمجتمع، فإن قانون الانتخابات الحالي مصممٌ لتحطيم التمثيل السياسي الوطني، وموجهٌ لمنع تمثيل الثقل السياسي العشائري والبيروقراطي والوطني، وإخضاع البرلمان لسطوة المقاولين والبلطجية ومحدثي النعمة وغير المسيّسين، وزيادة التمثيل الفلسطيني في إطار الخطة الأميركية ـ الصهيونية للتوطين السياسي وتصفية القضية الفلسطينية. لكل ذلك، أقاطع انتخابات 2016، ترشيحا واقتراعاً. وهو موقف يعتبره الدكتور خالد كلالده ‘ جريمة في حق الوطن’! متجاهلا أن الذين ارتكبوا الجرائم في حق الوطن وهويته وأمنه واقتصاده وخزينته وقطاعه العام ومستقبله، وأفقروا أبناءه، وزوّروا تراثه، هم أنفسهم الذين عادوا يديرون غرفة القرار المغلقة على الجميع، بمن فيهم معالي الرفيق القديم!