ناهض حتّر
استطلاع الرأي الذي اجراه «مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية» حول شعبيّة حكومة د. معروف البخيت، بعد 200 يوم من تشكيلها، حفل بتغييرات جزئية فيما يتصل بالتوقعات، هبوطا – نسبيا – ازاء قضايا الاصلاح السياسي ومحاربة الفساد ومكافحة الفقر، وصعودا – نسبيا – ازاء قضايا اخرى كالأمن وكبح جماح التضخم. ولكن، في النهاية، حافظت حكومة البخيت على شعبيتها. وهذه نتيجة سارة بالنسبة للحكومة لم تحرزها الحكومات السابقة التي طالما عرفت التدهور السريع في شعبيتها.
في رأيي ان انجازات حكومة البخيت ما زالت في كل المجالات، متواضعة. لم تحدث الحكومة مراجعة للقضية المركزية الخاصة بالفشل المتراكم لسياسات الخصخصة وأولوية مصالح البزنس. وقد حدثت في عهدها قضيتان اثارتا الرأي العام هما قصة خصخصة الفوسفات وصفقة امنية التي حقق المستثمر فيها 300 مليون دينار من الارباح خلال سنة واحدة على حساب الميزانية.
عجزت حكومة البخيت عن تقديم جديد في مجال مكافحة الفقر، كما ان اندفاعها الاول لاعداد مشروع قانون عادل على ضريبة الدخل، تراجع، ودخل في سراديب المصالح الخاصة بالأغنياء.
لكن كل ذلك لم يزلزل شعبية الحكومة. لماذا؟
اولا – بسبب الاحترام الذي يكنه الرأي العام لرئيسها الدكتور معروف البخيت، بسبب جديته وهدوئه وحذره وانتمائه الى دائرة الفئات المتوسطة لا الى دوائر البزنس. وما زال الرأي العام ينظر الى البخيت كشخصية وطنية، ويأمل منه ان يتمكن من استعادة هيبة وموقع ودور رئاسة الوزراء. وولاية الحكومة على الشأن العام. الشعب الاردني يقدم الدعم للبخيت. وعلى الاخير ان يفيد من هذا الدعم لتحسين ادائه السياسي، وجرأته على احداث تغيير حقيقي.
ثانيا – لدى البخيت تصورات محسوبة قد نختلف معها ولكننا لا نملك الا الاعتراف بجديتها ونزعتها الى تغليب الوطني على الفئوي والخاص. لكن هذه التصورات البرامجية ما زالت قيد الدراسة او قيد الادراج او قيد الاجراء البطيء غير الظاهر في انجازات. والشعب الاردني، بطبيعته، متسامح وصبور، لكن من المأمول ان لا يضيع د. البخيت، الفرصة القائمة الآن، لانها محدودة زمنيا.
ثالثا – الشعب الاردني الحساس ازاء الحفاظ على الهيئات الدستورية وهيبتها وصلاحياتها، يدرك ان حكومة د. البخيت تتعرض لهجمات من الليبراليين الجدد الذين يتمنون ازاحتها في اقرب وقت. ويريد الاردنيون، عن وعي، التجاوز عن اخطاء حكومة البخيت، لكي تأخذ فرصتها في استرداد قوة وصلاحيات الحكومة. وهم يميزون، بدقة، بين اخطائها.. وبين روحها المشلولة بالتعقيدات السياسية التي يعرفها الجميع.
رابعا – هجوم الليبراليين الجدد على حكومة البخيت، كان له تأثير معاكس، فحكومة يكرهها الليبراليون الجدد، لا بد وانها ليست سيئة.
عند هذه النقطة بالذات، يمكن لحكومة معروف البخيت، ان تقوم بمبادرات ايجابية اولها اعلان برامجها وخططها وافكارها في الاعلام او بالعلاقة مع مفاتيح الرأي العام من القوى السياسية والاجتماعية. وثانيها ان تحقق اختراقا اجتماعيا وطنيا كبيرا في مجال واحد على الاقل هو – مثلا – اعداد مشروع بمواصفات ديمقراطية اجتماعية لضريبة الدخل، وكذلك – وهذا مهم جدا – في تحقيق اختراق نوعي في اعداد مشروع وطني وديمقراطي معا لقانون الانتخابات العامة.
اخيرا، سيكون من المناسب الشروع في تهدئة عاجلة مع الاسلاميين، من دون طيّ الملف، بل بفتحه بصورة قانونية وديمقراطية وسياسية.0