لحظة مراجعة… لمواجهة لحظة الحقيقة«القدس مقابل اللاجئين»: الأسئلة الأردنية!

العرب اليوم
ناهض حتر
بالصمت، قابلت الحكومة الاردنية، الاعلان الاميركي عن مبادرة «القدس مقابل اللاجئين» ولكنه صمت له دوي بحجم حقوق ومصالح 40 بالمئة من المواطنين الاردنيين… من اللاجئين الذين تدعو المبادرة الاميركية الى شطب قضيتهم. وهي، في العمق والملموس، قضية الدولة الاردنية، من حيث آليات انسجامها السياسي العضوي الداخلي، وتركيبتها الديمغرافية، وحساسيات هذه التركيبة، وحساباتها المعقدة، في الحاضر والمستقبل.
كنا نتمنى بياناً واضحاً قوياً يصدر عن الحكومة الاردنية، مثل البيان اللبناني الذي يحذر، صراحةً الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من القبول بخيار شطب قضية اللاجئين، ويؤكد ان لبنان لن يقبل ببقاء لاجئ واحد على اراضيه. بل كنا نتمنى بياناً اردنياً ولو كان في صيغة جملة اعتراضية، بيد اننا نعرف ان الحكومة الاردنية «مضطرة» ويا للأسف، الى «الصمت/الرهيب» فلبنان مستقل -ولو نسبياً-عن النفوذ الاميركي، وهو غير مقيد بمعاهدة سلام مع الاسرائيليين تؤجل او تلغي قضية اللاجئين. والى ذلك، فاللاجئون في لبنان هم لاجئون. ولكنهم في الاردن لاجئون اسماً ومواطنون فعلاً. فماذا يبقى غير الصمت؟
لقد حذرنا مراراً وتكراراً بأن المسار الفلسطيني سوف ينتهي الى صفقة. وطالبنا الحكومة الاردنية ان تنأى بنفسها عن مساعي الاطفائي، والتجمد في موقف دعم السلطة الفلسطينية على بياض، وان تعلن موقفاً شاملاً ازاء، الحل النهائي، يؤكد ان عمان لن تقبل بحل نهائي لا يشتمل على اخذ مصالحها بعين الاعتبار… بل املنا، على الاقل، بتصعيد متدرج للموقف السياسي الاردني بحيث يكون قادراً على الاعتراض عند اللزوم. ولكن السياسة الاردنية ظلت للأسف، تراوح مكانها، تشلها المخاوف والاوهام والحسابات التقليدية.
الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي يتجهان اليوم، الى «صفقة»… ليست مفاجئة على كل حال. فالانتفاضة، منذ انطلاقتها في 28 ايلول الماضي وحتى الآن، ظلت في سياق كونها «انتفاضة الاقصى» … فاذا ابدع الاميركيون حلاً لمشكلة الاقصى المبارك يرضي الفلسطينيين والعواصم العربية، فستكون الانتفاضة حققت هدفها «وانتصرت»، وفتحت الباب امام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها «القدس». ولا نريد ان ندخل هنا، في تفاصيل الصفقة المتعلقة بالقدس -وهي مؤسفة ومشينة -ولكن ما نريد التشديد عليه ان هذا «الانتصار» سوف يحجب الهزيمة التاريخية للكفاح الفلسطيني الذي سيتم الاعلان عن «نهايته»، مقابل دولة نصف سيدة… تقبل بالتخلي عن نصف شعبها. وعند هذه اللحظة بالذات، اي عندما تتخلص اسرائيل من اعباء قضية اللاجئين، سوف تنفجر هذه القضية، بكل ابعادها، في البلدان العربية وربما يستطيع لبنان، بإصراره ووضوح سياساته وقوة اصدقائه الدوليين وبقدرته على الايذاء، ان يتوصل مع الاميركيين والاسرائيليين الى معادلة «اللاجئين مقابل حزب الله» والى اين يذهب اللاجئون من لبنان؟ هذا سؤال آخر قد يؤزم الوضع اكثر في الاردن الذي قد يكون مضطراً لاستيعاب قسم منهم، وفي احسن الاحوال، اي اذا ما اصرت الحكومة الاردنية، على موقفها المعلن بأنها لن تقبل توطين لاجئ جديد، فان عمان ستواجه تواً، كل الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والثقافية، الناجمة عن لحظة الحقيقة، اي الاعلان عن التوطين النهائي للاجئين الفلسطينيين في الاردن، بكل ما يثيره من اسئلة صعبة… مصيرية، ولكنها تدوي في الصمت وبرغمه. وتتطلب لحظة مراجعة… لمواجهة لحظة الحقيقة.

Posted in Uncategorized.