ناهض حتّر
نحن نرفض، مبدئيا، وقطعيا، اية اعمال عنف في الاردن، وذلك بغض النظر عن مبرراتها السياسية او الايديولوجية. فالعنف يؤذي مصالح الاردنيين من دون تمييز، ويعرقل تطور البلد والتحولات الديمقراطية، ويمنح قوى الاستبداد فرصة اوقفها، واستخدام العنف المضاد الخ.
ومع ذلك، فإن المزيد من الانشاء الواقع في باب التنديد والادانة، ينزلق عن سطح الحدث الاستثنائي الذي حصل في العقبة، يوم الجمعة الماضية، ولا يحفر في قشرته الصلبة.
علينا ان ندرك، اولا، ان الاستعدادات الامنية – على اهميتها – لا تلجم اعمال العنف – مهما كان شكلها او مضمونها – وتظل حصانة البلد ازاء تطور الظواهر العنفية والارهابية، مرتبطة بالحصانة السياسية.
انني اتطلع، بخوف كبير، الى المستقبل القريب، حيث تستجد ظروف تستعيد الجهاديين الاردنيين من العراق الى بلدهم. المقاومة العراقية تنتصر، ولسوف تفرض على المحتلين الامريكيين وحلفائهم، مغادرة العراق في غضون وقت يعد بالاشهر وليس بالسنوات. وقد بدأ المقاومون العراقيون، عملية سياسية تهدف الى خلق شروط التحرير والوحدة. وهكذا، فقد بدأوا، بالفعل، صداما سوف يتصاعد مع الجهاديين الذين سيعودون الى بلادهم في النهاية، مدججين بالعقيدة الجهادية والخبرة القتالية.
وسيكون من الحنكة ان نواجه هذا السياق الذي يتشكل موضوعيا، ولا يمكن ضبطه امينا، باجراءات سياسية تستبق تطور الاحداث. اولا بمدّ الايدي الى المقاومة العراقية، واجراء حوار شامل مع قياداتها وثانيا باعلان مبادرة اردنية ازاء العراق، تقوم على ثوابت ضمان استقلال العراق ووحدته ومساعدته على النهوض، وهو ما يتطلب، بطبيعة الحال، اتخاذ مسافة، من السياسية الامريكية، ثالثا، علينا انجاز خطوة جوهرية في مسيرة التحول الديمقراطي، خطوة حقيقية يكون لها من العمق والفعالية، مما يستوعب احباط الشباب، ويراعي (ويلهب) مشاعرهم الوطنية، ويقدم لهم بديلا اجتماعيا – اقتصاديا – سياسيا مفتوحا. ليس فقط فرص التعليم والعمل، ولكن ايضا المشاركة السياسيّة.
لن يهدد الامن الاردني عراقيون او مصريون او سوريون، على الرغم من ان البلد مفتوح بأكثر مما يجب. ما يهددنا بولادة ظاهرة عنفية هم الاردنيون الجهاديون والذين يجب ان نستعد لاحتضانهم اجتماعيا وسياسيا. وهو ما يجب ان يحدث في سياق تغيير جوهري في السياسة الخارجية الاردنية، ازاء، الشأنين العراقي والفلسطيني. لا بد ان نبتكر سياسة جديدة تأخذ بالاعتبار المصالح الاستراتيجية للدولة الاردنية ومراعاة مشاعر المواطنين، ومنحهم الشعور بالاعتزاز والعقلانية.
ليست المشكلة في حدث، نرجو ان يكون معزولا، ولكن المشكلة تكمن في ان عدداً من الاردنيين يؤيدون «القاعدة» ويؤيدون العمليات الانتحارية، وعدداً كبيراً منهم يكرهون اميركا التي هي الحليف رقم (1) للحكومة الاردنية.
فليقم الامن بواجبه الكامل ازاء حدث العقبة، ولكن على السياسيين والمثقفين الاردنيين، بذل جهود مضنية لمراجعة الموقف كله.