لحظة علمانية!

ناهض حتّر
لاول مرة، منذ وقت طويل، يفقد الاسلاميون الاردنيون، الهيمنة الفكرية-السياسية، على التحركات الجماهيرية «القومية» – فهؤلاء لم يساهموا، مطلقاً في التحركات الاجتماعية منذ الـ 89-.

لقد شهدت كل انحاء المملكة، مسيرات جماهيرية حقاً للتنديد بالاغتيال البشع للرئيس صدام حسين. وكان «الاخوان المسلمون» على هامشها، مضطرين لمسايرتها على الرغم من ان الجماهير الغاضبة كانت تستهدفهم-ضمنا-من خلال شعارات التنديد بنائب الرئيس العراقي الحالي، طارق الهاشمي. وهو زعيم «الاخوان» العراقيين، المشاركين في النظام الحاكم التابع للاحتلال الامريكي في العراق.

وباعتقادي انه لو جرت الانتخابات النيابية، هذا الاسبوع، فلسوف يخسر «الاخوان» الاردنيون، نصف مقاعدهم البرلمانية على الاقل. هذا يثبت ان الهيمنة «الاخوانية» على الشارع، ليست ثابتة ومطلقة، بل متحركة بالعلاقة مع التطورات السياسية، ولسوف يحظى الاسلاميون بالصدارة، طالما انهم يسيرون او يتماهون مع اتجاهات الجماهير القومية والديمقراطية، لكنهم سوف يتراجعون الى الصفوف الخلفية، عندما تكون مواقفهم القومية ملتبسة.

علينا ان نلاحظ، بالطبع، ان العنصر الاساسي في قوة «الاخوان» المعنوية، هي استحواذهم على «المقدس» مرتبطاً بالموقف الجذري في قضايا قومية، حيث تتم مضاعفة «المقدس» وترميزه في حركة هي الحركة الاسلامية وقادتها.

لكن هذه الميزة، انتقلت، باستشهاد الرئيس صدام حسين، الى القوى البعثية والقومية والوطنية، العلمانية الطابع. لقد امتلكت هذه القوى، فجأة «المقدس» بمضاعفاته الرمزية التي حاصرت الاسلاميين، وردتهم الى الخلف.

اظهر الرئيس صدام حسين – بما لا يدع مجالاً للطعن – قوة ايمانه والتزامه كمسلم، لكن ذلك بقي في اطاره الشخصي، بينما رمزية الشهيد – العامة – فانها تحيل الى قومية علمانية لا تختلط بين الايمان والالتزام الديني الشخصيين، وبين المشروع السياسي الديني.

تراجيديا الموت البطولي على ايدي النظام الاحتلالي الطائفي، في مشهد استفزازي، اطلقت طاقات انفعالية جماهيرية – بعضها، للاسف، مذهبي، لكنه هامشي – تسترد «المقدس» من الاسلام السياسي الى ما هو قومي، عروبي وبالضرورة، اذن علماني – وتلاحظ، واعية او غير واعية – ان النظام السياسي الذي انشأه الغزاة الامريكيون في العراق، هذا النظام التابع للاحتلال، والمرتبط بالأجندة الفارسية، والمعادي للعرب، والمسؤول عن التذابح الاجرامي والفوضى الامنية في العراق، هذا النظام الذي قتل الرئيس صدام حسين في تواطؤ مفضوح مع الاخوان «العراقيين» وفي «احتفال» مذهبي بدائي… هذا «النظام»، يتكون في الاخير، من قوى الاسلام السياسي، سنية وشيعية، في مواجهة رمزية مكثفة مع قائد غير مطعون بايمانه – لكنه استشهد باسم العراق، وباسم العروبة وباسم فلسطين، محيلا الى فعالية وصدقية نظام علماني لا طائفي ما يزال – على الرغم من كل اخطائه – يتفوق، اخلاقيا وسياسيا، على ما تلاه، من سيطرة قوى دينية طائفية تحت رعاية الاحتلال الغاشم.

انها لحظة علمانية بامتياز. وقد تؤدي الى تغييرات جوهرية في الحراك السياسي الاردني.

ولقد التقطت حركة فتح هذه اللحظة في صراعها مع «حماس» – المطالبة الآن، بفك ارتباطها مع ايران، وبالتالي الاختيار بين خسارة الجماهير… وخسارة الدعم الاقليمي.

لكن المفارقة ان «علمانيي» النظام السياسي الاردني، وقفوا، مشدوهين، امام الحدث، وعاجزين – مرة اخرى – عن استنطاق معنى الدرس، فمواجهة «الاسلام السياسي» لا تتم من مواقع اليمين الامريكي، بل، بالعكس، مع المواقع المضادة للاستعمار الامريكي.

Posted in Uncategorized.