لتجاوز التخليط والفوضى الفكرية

ناهض حتّر
يشوب الموقف من ايران تخليط وفوضى فكرية. ومن اجل نظم هذا الموقف في سلك مبدئي ووطني ومسؤول، لا بد، اولاً، من نزع الاطار الديني والمذهبي عن النقاش، جملة وتفصيلاً.
ايران قوة اقليمية متوسطة الحجم. ومن عناصر قوتها: النفط والقدرة على التحشيد الداخلي، والجيش الذي يتمتع بقدرات تنظيمية وتسليحية معقولة، واستقلالية القرار السياسي، واخيراً القدرة على التأثير السياسي على تجمعات مجتمعية عربية باسم وحدة المذهب. وتعاني ايران من نقاط ضعف جوهرية في بنيتها الديمغرافية المتعددة القوميات والمذاهب، والمقموعة من قبل المجموعة الفارسية – الشيعية؛ وفي اقتصادها الذي ما يزال لا يرتكز على الريع النفطي ويعاني من الهشاشة والبطالة والفقر، واخيرا من الانقسام الثقافي – السياسي بين المتشددين والاصلاحيين.
وسعي ايران الى التمدد في المجال الاقليمي الحيوي، هو نتيجة لمحاولتها حماية نظامها، وتوفير شبكة حماية له من جهة، وتعزيز دورها السياسي والاقتصادي. والملف النووي الايراني يقع، فعلاً، في هذين السياقين.
التدخل الايراني في المنطقة العربية – والعراق – له وجهان متناقضان او يظهران كذلك. فطهران تدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية – وسورية في مواجهة اسرائيل – باعتبارها، بالأساس، خصماً اقليمياً – ولكن ذلك لا يضرّ بالعرب. ومع ان ايران لعبت وتلعب دوراً ايجابياً هامشياً في العراق، من خلال توريد الاسلحة والاموال لجهات مقاتلة ضد الاحتلال الامريكي، فإن السياسة الايرانية في العراق تقوم على ما سميناه «التواطؤ العدائي» مع المحتلين، وهي تهدف – على حساب العراق – للذود عن نظام الملالي وتمرير المشروع النووي، ويكمن الدور السلبي الرئيسي لايران في العراق، من خلال دعم ومساندة «العملية السياسية» الاحتلالية القائمة على المحاصصة المذهبية والاثنية. وهذه العملية السوداء تولد، بحد ذاتها، الصراع المذهبي، كذلك، فإن تطييف الشيعة العراقيين سياسياً، وربطهم بطهران من خلال احزاب ومليشيات متعاونة، يستلزم، ايضا، تشجيع الانقسام المذهبي واقعيا.
ومن النافل القول ان كل هذه التعقيدات، لا ترجع الى «مؤامرة» بسيطة، وانما يمكن ربطها بانقسامات وصراعات داخل المجتمع والدولة في «الجمهورية الاسلامية»!
الموقف من ايران معقد هو الاخر. ونحن نعتقد ان من السذاجة القول بتأييد الايرانيين ضد اسرائيل على حساب العراق. ومصدر السذاجة ان خسارة القضية العراقية، سوف يلحق هزيمة نكراء بحركة التحرر العربي على الجبهات الاخرى، ولن يبقى، بعدها، ممانعة سورية ولا مقاومة في فلسطين او لبنان.
غير ان التركيز على المفصل العراقي في العلاقة مع ايران، ينبغي ان لا يقود الى تسعير العداء المذهبي والقطيعة ووضع ايران في مركب واحد مع الامريكيين والاسرائيليين. هذه المواقف – على العكس – تصب في الطاحونة الامريكية – الاسرائيلية، من المطالبة بقطع العلاقات مع ايران الى تحميل وزر دورها في العراق على كاهل الشيعة العراقيين او كاهل حزب الله، والهجوم على هذا الحزب المناضل ضد اسرائيل، او التعريض بزعيمه السيد حسن نصر الله.
باعتقادي ان افضل ما يمكن فعله ازاء ايران هو الحوار الجدي والمثابر معها حول القضية العربية المركزية – الآن – وهي تحرير العراق وخلاصه. ويمكن للايرانيين ان يلعبوا دوراً ايجابياً في هذا المجال. اولاً، من خلال سحب الاعتراف «بالعملية السياسية» الاحتلالية والهيئات الحكومية والامنية الناجمة عنها، وثانيا، من خلال التشجيع على المصالحة الوطنية، وثالثا من خلال دعم المقاومة العراقية، مادياً وسياسياً، والمساعدة على اتحادها ضد الغزاة.
ولعلّ الظروف ان تكون مهيأة الان لهكذا حوار، بالنظر الى تصاعد الضغوط الامريكية ضد ايران ودورها في العراق، او بالنظر الى ان الاحزاب المذهبية «الحاكمة» الآن في بغداد، قد تكون مستعدة للانقلاب على المرجعية الايرانية، لحساب المرجعية الامريكية.
نريد التفاهم مع ايران في سياق دحر الاحتلالين، الامريكي والاسرائيلي، وهو – وحده – السياق الذي يحقق المعالم الاستراتيجية للشعوب العربية والايرانية.
وبالنسبة للمعتدلين العرب، فإن الحوار مع طهران، ضروري لتجنيب المنطقة حرباً جديدة مدمرة، يضطر العرب الى المشاركة فيها، وتتسبب باندلاع الحرائق المذهبية على مستوى المنطقة.

Posted in Uncategorized.