لا مناص من العودة الى القطاع العام

في 24 ايلول الماضي, رصدنا, في هذه الزاوية, النسب الباهظة للرسوم الجمركية وضريبة المبيعات المفروضة على السلع الغذائية الاساسية كالبقوليات ومشتقات القمح والاجبان والزيت النباتي والشاي الخ, وطالبنا بالغائها, ما يخفض اسعارها من دون اللجوء الى مخصصات الدعم.ولا بد ان يشعر الكاتب ببعض العزاء حين يرى احد اقتراحاته وقد تحول الى قرار حكومي, بل اكثر من ذلك انه يشجعنا على التفكير لمساعدة الارادة الطيبة لرئيس الوزراء نادر الذهبي اذا ما اراد التركيز على البحث عن مخارج واقعية للازمة الاجتماعية, خارج العقيدة الرسمية لليبرالية الجديدة. وفي سياق كهذا, يستطيع الرئيس, اضافة الى تتبع الاقتراحات والافكار المنشورة في الصحافة, الدعوة الى عقد ندوة استماع لمثقفين ومعارضين وممثلين للهيئات النقابية والاجتماعية, ربما تفيد منهم الحكومة, فعليا, اكثر مما تفيده من »الخبراء«.
على ان اتجاه الحكومة الى الغاء الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على السلع الغذائية الاساسية, ينبغي عدم تصويره وكأنه دعم. انه ليس دعما, بل ربح فائت على الخزينة لا يقارن بالربح الفائت عليها جراء تسهيلات تشجيع »الاستثمار«.

وهذه الاشارة, هنا, ضرورية, حرصا على الصدقية وصفاء التفكير, ودعوة الى ضرورة دراسة التوصل الى نوع من التوازن, على الاقل, بين ما تحصل عليه الطبقة الجديدة من اعفاءات وبين ما تحصل عليه الفئات الشعبية, منها.

ومن اجل توسيع وتجذير هذا الاتجاه, لا بد من تحديد سلة من السلع والخدمات الاساسية التي تمثل الحد الادنى لاحتياجات الاسرة الاردنية المتوسطة, والغاء كل الرسوم والضرائب المفروضة عليها. وهذه ليست سوى خطوة سوف تضيع هباء اذا لم تتخذ الحكومة سياسات جريئة تحد من حرية التجارة في المواد التموينية, سواء لجهة الاستيراد ام لجهة التسعير ام لجهة التوزيع. وهذه السياسات لا يمكن تطبيقها الا من خلال وزارة متخصصة, اعني وزارة التموين التي اصبح احياؤها مطلبا ملحا.

علينا ان نلاحظ ان شراء السلع التموينية من الداخل والخارج, بالحجم الكافي للاستهلاك, من قبل جهة حكومية واحدة, يضمن, في الان نفسه, الحصول على ادنى الاسعار وافضل الجودة وتحديد هامش الربح لتجار الجملة والمفرق, وتوفير تلك المواد في منافذ المؤسسات الاستهلاكية باسعار الكلفة.

من دون ذلك, نخشى ان تذهب الاعفاءات الجمركية والضريبية عن السلع الغذائية الى جيوب كبار التجار واللوبيات الاحتكارية التي تتقاسم سوق التموين في البلاد.

لا بد اذن من اعادة بناء وزارة تموين فعالة وديناميكية وذات صلاحيات واذرع تجارية. اهي عودة للقطاع العام? جزئيا فقط للاسف. وهو ما يجب على حكومة مهتمة بادارة كفؤة للازمة الاجتماعية ان تحسم امرها باتجاهه, مهما تكن الضغوط الخارجية والداخلية.

في مثال اخر على الضرورة الملحة للعودة الى اليات القطاع العام, سوف نجد ان قيام وزارة الصحة بشراء احتياجات البلد من الادوية المحلية والمستوردة, سوف يضمن قدرة الوزارة على التفاوض للحصول على افضل العروض من حيث الاسعار وخفض كلفة التعبئة وضبط الجودة, ما يوفر على الخزينة في عيادات ومستشفيات القطاع العام, وعلى المواطنين في القطاع الطبي الخاص.

وفي مثال ثالث على الضرورة الملحة لاحياء القطاع العام, علينا ان نلاحظ ان وجود نظام مواصلات كفؤ في البلاد, من الحافلات والقطارات, كان سيحيّد احد الاثار السلبية لارتفاع اسعار المحروقات, ويخفض من استهلاك الوقود للسيارات الخاصة, ويجعل الاستغناء عنها ممكنا.

انه زمن العودة العملية الى تفعيل جملة من اليات القطاع العام والتدخلات الحكومية, حيث لا توجد حلول في اطار عقيدة الخصخصة وحرية التجارة, يمكنها ان توفر سلة العيش والعلاج والمواصلات, والتعليم والسكن للاغلبية الشعبية. وسنرى تلك الحلول تفشل, واحدا بعد الاخر, فعقيدة الخصخصة تشل التفكير.

وانني لاتساءل ما الذي يمنع, سوى عقيدة ومصالح الليبرالية الجديدة, من تحرير اسعار المحروقات ما عدا الغاز الذي تستطيع شركة حكومية احتكاره وادارة دعمه من قبل الخزينة, وتغطية هذا الدعم من حصيلة ضريبة تصاعدية على استهلاك الطاقة.

من الصعب استخدام انبوبة الغاز الا للاستعمالات المنزلية, للطهي والتدفئة او بعض الاستعمالات الحرفية الصغيرة. فلماذا يجب ان يرتفع سعر الانبوبة الى الضعف? بالعكس.. يمكن خفضه لقاء ارتفاع اسعار المشتقات الاخرى!.0

Posted in Uncategorized.