لا تقنعوا باليأس والسلامة

الثروات الأردنية المنهوبة لم تُسترَدّ، وملفات الهدر وسوء الإدارة والفساد، المسؤولة عن تضخّم المديونية العامة، ثلاث مرات، منذ 2005، طويَتْ، وعمليات الخصخصة التي حرمت الخزينة من الموارد الوطنية، لم تُراجَع. النهج هو نفسه. ولدينا الآن شروع علني في ملف فساد جديد في آخر المعاقل المالية الوطنية، المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي: وظيفة حالية مقابل وظيفة لاحقة مجزية جدا، والثمن هو تمكين المستثمرين الأجانب من الاستيلاء على حصة ‘الضمان الاجتماعي’ في بنك أردني كبير.
ماذا تغيّر؟ لا شيء .
الخزينة المنهوبة الفارغة لم تجد بديلا عن دولارات صندوق النقد الدولي. وللصندوق شروطه؛ زيادة الأسعار وخفض الدعم والمزيد من التسهيلات للمستثمرين على حساب الخزينة.

منذ أمس، بدأ تطبيق أولي لشروط ‘الصندوق’ بزيادة سعري البنزين والسولار. وما زلنا في أول الطريق. سيعاني شعبنا أكثر فأكثر، بينما يتوقّع الحكم أن المعاناة سوف تذهب أدراج الرياح، ولن تنفجر في انتفاضة شعبية جديدة. يظن الحكم ـ وبعض الظن تهلكة ـ أن الحراك الشعبي قد فقد زخمه وانتهى.

الإخوان المسلمون الذين يتصدرون المعارضة التقليدية ليس لديهم ما يقولونه في هذا المجال. ففرعهم الأكبر الحاكم في مصر، واصل سياسات مبارك الاقتصادية الاجتماعية نفسها، وطوى الملفات نفسها، وحصل على قرض من صندوق النقد الدولي بالشروط نفسها! وهو يظن كذلك ـ وبعض الظن إثم ـ أن الثورة المصرية فقدت زخمها وانتهت.

مَن كان طرب من إخوان الأردن بفوز فرعهم المصري بمقاليد الحكم، وقع اليوم في الحفرة؛ فالحكم الإخواني في مصر،أم الدنيا ـ وقد جاء بعد ثورة وانتخابات وتمكّن من كامل الصلاحيات ـ ليس عنده، في الأمور الجوهرية، سوى السياسات المباركية، إلا أن مبارك كان أوسع صدرا، سواء مع الصحافيين المعارضين أو الأحباء المتنزهين على شواطئ اسكندرية.

المثال المصري لا يسمح لإخوان الأردن سوى بالدعوة إلى تحريم الانتخابات وفق النظام الحالي. يريدون نظاما انتخابيا يمنحهم الأغلبية، وتعديلات دستورية تعطيهم الصلاحيات. ماذا سيفعلون بهذه الصلاحيات؟ لا شيء سوى ما كانت تفعله الحكومات السابقة، بل ربما يقبلون، بسبب شعبيتهم، من صندوق النقد الدولي، شروطا أقسى من تلك التي تقبلها حكومات غير منتخبة وليست لها شعبية.

المضحك المبكي أن قسما من الحركة الشعبية لا يزال يسير وراء الإخوان، متبنيا أطروحتهم حول الانتخابات والتعديلات. وكأنها الطريق إلى الجنّة !

السؤال الذي يلخّص المآل هو: حين يحصل الإخوان على الأغلبية والصلاحيات، هل يمكنهم أن يرفضوا طلب حلفائهم القَطريين، شراء حصة ‘الضمان الاجتماعي’ في بنك الإسكان؟ وهل يمكنهم، وهم يتابعون السياسات الاقتصادية نفسها، أن يكفّوا يد حكومتهم عن نصف المليار المتأتي من الصفقة؟

هل نقول يائسين : ‘لا تحلموا بعالم سعيد. فخلف كل قيصرٍ يموتُ قيصرٌ جديد؟’ كلا. فلقد تعرّفتُ، مثلا، على المناضل الاشتراكي المصري كمال خليل، عام 2005، وكان وقتها يقود مظاهرة تضم العشرات ضد نظام مبارك وسياساته. كانت تلك شرارة 25 يناير 2011. ويوم الجمعة الماضي، كان كمال خليل نفسه، يقود مظاهرة تضم المئات ضد نظام مرسي وسياساته. وقد علّمنا التاريخ القريب أن نرى في المئات، الملايين القادمة لكي تنجز الربيع الحقيقي، ربيع اسقاط البزنس ونهجه وفساده واسترداد الثروات والمؤسسات والتنمية والعدالة الاجتماعية والحريات السياسية والشخصية.

لديهم مثال مرسي … ولدينا مثال كمال خليل. وبيننا الزمن.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.