لا تعادوها، افيدوا منها!

ناهض حتّر
خلال السنوات الخمس الماضية، كتبت عدة معالجات نقدية للأداء المهني والخط السياسي لفضائية «الجزيرة» التي تحظى بنسبة 58 بالمئة من المشاهدة بين العرب في الوطن والمهجر. وهذه الحقيقة وحدها، تطرح «الجزيرة» بوصفها موضوعاً للنقد من قبل الاعلاميين، خصوصاً وان هذه الفضائية تمكنت، بالفعل، من الامساك بأجندة الحوار في العالم العربي، بل بأجندة الاحداث أيضاً. فالحدث لا يحدث اذا لم يحظ بتغطية كافية من قبل «الجزيرة». وهي تستطيع، كذلك، ان تجعل من اللا حدث، حدثاً.

امام هذه الهيمنة الاعلامية ل¯ «الجزيرة» يصبح من واجب المثقف المستقل، تحليل اداء هذه الفضائية وتفكيك نهجها نقدياً. فالهيمنة -كل هيمنة- تمنع الحرية وتجمد العقل المستعاد بالنقد.

لكن الهجوم على «الجزيرة» على طريقة «المعلق السياسي» في الاذاعات العربية لحقبة الخمسينات، ليس نقداً، وانما طلقة في الفراغ، واثارة الشكوك حول ضلوع «الجزيرة» في مؤامرات، منها، مثلاً، كشف مواقع المقاتلين الفلسطينيين لجيش العدوّ، يدخل في باب التذاكي في الردح، ما يخجل المرء من التوقيع عليه، فيظهر غُفلاً.

مشكلة الأنظمة العربية مع «الجزيرة»، تكمن في نجاحها المهني غير المسبوق، وسيطرتها على المجال الاعلامي العربي، واصرارها على التغطيات المحلية في الدول العربيّة، حيث الوسائل الاعلامية الرسمية عاجزة عن التأثير المضاد ليس فقط على النطاق القومي، بل، أيضاً، على النطاق القطري.

تحظى «الجزيرة» بامكانات مالية ضخمة. ولكن ليس ذلك هو سرّ تفوقها، فاجمالي الأموال التي تنفقها الرياض على الفضائيات والصحف، أكثر بما لا يُقاس من ميزانية «الجزيرة» ولكن الاخيرة نجحت في استقطاب الرأي العام العربي بقدر تساوقها معه، واتاحة الفرصة للرأي الآخر، بالاضافة إلى الحيوية والسبق في الأخبار والتغطيات والانجازات المهنية في نشرات الاخبار والبرامج والوثائقيات وشبكة المراسلين واسعة الانتشار، والعدد الهائل من الضيوف والمداخلات.

«الجزيرة»، بالطبع، ليست بريئة. ولها اجنداتها السياسية الخاصة، واولها تكبير الحجم الافتراضي لدولة قطر، وثانيها تعزيز الاسلام السياسي السني وثالثها التركيز على مثالب انظمة عربية بعينها – كالنظام السعودي والأردني والمصري.- بالاضافة إلى أجندات اخرى.

لكن «الجزيرة» ليست فضائية دعائية. ولو كانت كذلك لفشلت. فهي لا تبث تقارير تمجد قطر، ولا تحجب التيارات غير الاسلامية، وتقوم بتغطيات نقدية تزعج كل الانظمة العربيّة. وهي، بذلك، تحقق حضورها في معادلة دقيقة وفاعلة بين الاجندات والمهنة.

وهذا هو الدرس الذي لا يزال الاعلام الأردني عاجزاً عن تعلمه، مصرّاً على وسائل بدائية عفا عليها الزمن، مثل الهجمات التشكيكية، والمسيئة «للجزيرة» التي لا تضر الفضائية المهيمنة، ولكنها تسيء إلى صورة الأردن. وقد ابتلى الله بلدنا بفئة من المدافعين عن سياساته بوسائل رديئة تصنع المزيد من الأعداء.

بدلاً من استعداء «الجزيرة» أفضّل التساوق مع أدائها المهني، واستغلال منبرها واسع الانتشار للدفاع عن صورة البلد، وذلك بتشجيع الظهور الأردني الكثيف على شاشة «الجزيرة» واقتراح مداخلين اردنيين قادرين على الاقناع، من دون ان يكونوا، بالضرورة، مؤيدين للسياسات الرسمية. على الأقل، نستطيع ان نبرهن، عبر «الجزيرة» أن الأردن بلد حيوي وتعددي ويملك نخبة ذات مستوى.

لن تنجحوا في معاداة «الجزيرة» ولكن يمكنكم الافادة منها

قليلاً من الذكاء.

Posted in Uncategorized.