ناهض حتّر
المحاولة الامريكية – البريطانية الجديدة للسيطرة على العراق، تدور حول محورين هما «1» على المستوى السياسي، تقديم الدعم لحكومة نوري المالكي، المصوّرة باعتبارها حكومة «وحدة وطنية». وتعزيز حضورها «وهيبتها» وتشجيع العواصم العربية على الالتفاف حولها. وتأمل واشنطن ولندن ان تفيدا من واقع مشاركة بعض القوى السنيّة في الحكومة، لمنحها الشرعية.
«2» اما على المستوى الامني، فقد تم التفاهم بين الاحتلال وحكومة المالكي على خطة لاعادة احتلال بغداد، و«تطهيرها» من قوى المقاومة والمعارضة، بوساطة عملية عسكرية كبرى، تشتمل على ضربات قاسية وتمشيط للاحياء، واعتقالات واسعة النطاق.
وقد كانت هذه الخطة، الموضوع الرئيسي للمباحثات التي اجراها رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، في بغداد، مع اطراف الحكومة العراقية – بما فيها الاطراف السنية المشاركة – وفي واشنطن مع الرئيس بوش الصغير.
لقد طار بلير، خلال الاسبوع الماضي، في مهمة عاجلة الى بغداد، ثم الى واشنطن، سعياً وراء انجاز الترتيبات السياسية واللوجستية والعسكرية للخطة التي حازت على رضا طارق الهاشمي الذي يشغل باسم الاخوان المسلمين، منصب نائب رئيس جمهورية العراق، في حين اعلن عنها سنّي اخر هو – الزوبعي نائب رئيس الوزراء المكلف – مؤقتاً – حقيبة وزارة الدفاع.
وعلينا ان نلاحظ ان اتفاق بلير – الهاشمي على خطة بغداد، كانت الاساس لتصريحات الاخير باقتناع رئيس الوزراء البريطاني حول الانسحاب الاجنبي «الجزئي» الذي سيتلو اخضاع العاصمة العراقية. كذلك، يبدو ان الهاشمي اراد ان يغسل يديه من دم المقاومة عبر دعوتها الى «التفاوض مع القوات الامريكية». لكن توجد بالطبع، مصلحة مباشرة للاخوان المسلمين العراقيين وحلفائهم، في تدمير المقاومة ما يتيح لهم الانفراد في تمثيل العرب السنة، والحصول على كامل حقهم من كعكة السلطة.
المليشيات الطائفية الشيعية الاستئصالية سوف تستغل دخان معارك خطة بغداد، لكي تواصل خطتها الخاصة بها الهادفة الى تطهير العاصمة العراقية من العرب السنة، بوساطة المذابح والاغتيالات والتهديدات على نطاق واسع، من دون اية حسابات رادعة.
ثلاثة ارباع القوة السياسية والمعنوية للمقاومة العراقية ناجمة عن وجودها في العاصمة. فبالاضافة الى المعنى الرمزي والسياسي لهذا الوجود، هناك ناحية عملية تتمثل في ان انعدام الامن في بغداد، تحديدا، يعرقل الآليات الحكومية والاقتصادية، ويشلّ حركة المسؤولين، ويحبسهم، بصورة كاريكاتيرية، في المنطقة الخضراء المحروسة من قبل الاحتلال. ولذلك، غدت السيطرة على بغداد، المهمة الرئيسية على جدول اعمال المحتلين لانجاح حكومة نوري المالكي، وضمان هيبتها وقدرتها على الحركة، وتوفير الضمانات الامنية للبعثات الدبلوماسية العربية والاجنبية والمستثمرين والوفود والمؤتمرات الخ وصولا الى حشر المقاومة في المحافظات الغربية ومحاصرتها والتعتيم عليها، واعادة ترتيب وانتشار القوات الامريكية والبريطانية بصورة تضمن بقاءها، وفي الوقت نفسه، حمايتها من الهجمات والبدء بحملة اعلامية مضادة تركز على الهدوء والنجاح في العراق.
واذا نجحت هذه «الخطة»، فان «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» سيكون المستفيد الاكبر، حيث تتوفر له الامكانية لاعلان امارة اسلامية في المحافظات العراقية الغربية التي ستشهد لجوءاً كثيفاً من سنّة بغداد. ومن النافل القول ان هكذا تطورات سوف تؤدي الى سقوط «كركوك» في ايدي القوميين الانفصاليين الاكراد.
وهكذا، فان خطة بغداد تساوي، عملياً، تقسيم العراق واقعياً، الى منطقة شيعية تشمل الجنوب والوسط وبغداد، ومنطقة سنية في غرب العراق – وعلى حدود الاردن – ومنطقة كردية في الشمال.
نحن اذن، عشية عدوان جديد وحشي على الشعب العراقي ووحدته ومستقبله. ومن الواضح ان الاستعمار الامريكي، مستعد – من دون ادنى حس بالمسؤولية او رجفة ضمير – لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة لضمان بقائه في العراق، وكالعادة فان التابع البريطاني جاهز للقيام بمهمة القوادة السياسية، والتخطيط لتمهيد ميدان الجريمة.
ليس لدينا ادنى شك بأن خطة بغداد سوف تفشل امنياً وسياسياً، لانها تفتقر الى الشرعية الوطنية والاساس الاخلاقي، وتتجاهل القدرات الوطنية الكامنة في المجتمع العراقي، بل والقدرات الكامنة للمقاومة العراقية المسلحة. وفي رأينا ان خطة بغداد سوف تحرق الاخوان المسلمين العراقيين وحلفاءهم او تضطرهم الى مغادرة صفوف حكومة «الوحدة الوطنية»، كذلك علينا ان نأخذ بالحسبان انطلاق التمرد الوطني الشيعي المضاد للاحتلالين الامريكي والايراني والمعادي للمليشيات الطائفية والمرجعيات الدينية الرجعية.
ومع ذلك، فاننا نفزع من هول المذبحة التي يعدها الامريكيون وحلفاؤهم الطائفيون لبغداد. ان عاصمة الرشيد مهددة بالدمار الشامل «والزهود» والرعب والقتل والاعتقالات والتعذيب في قسوة غير مسبوقة اعتبرها بلير « حقا مشروعاً لحكومة الوحدة الوطنية»!.