ناهض حتّر
الحاحنا على ادانة اعتداءات 9/11 الارهابية، واستنكارنا لها، واصرارنا على الصمود في وجه الارهاب، خطاب لا بد منه ازاء الصدمة. لكن الجدير بنا الان، هو ان نفكر في كيفية مواجهة الازمة. وتكمن هذه الازمة في وجود تهديد ارهابي مستمر، اخذ اشكالا اكثر دموية وهمجية. ويظهر ان الوسائل الامنية وحدها لا تردعه.
علينا ان ندرك، اولا، حقيقة ان الاردن ليس سويسرا، ولا يقع في اوروبا الشمالية، بل في قلب منطقة ملتهبة، بين الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي في فلسطين، والاحتلال اللصوصي الامريكي في العراق والتطورات المقلقة في سوريا ولبنان، وجبهة الخليج، وما تواجهه من صراعات عنيفة واحتمالات صعبة.
وما يدهشني، منذ وقت طويل، ان الاردن حكومة وشعبا، يواجه كل ذلك، من دون ان يتحسس، جديا، نيران الحرائق التي تهب عليه من كل الجهات.
التفاؤل -بالطبع- عامل ايجابي في تفعيل الانتقاد المحلي. ولكن حالة الاهتياج العقاري والمالي تجري في سياق لا تنموي، وتترافق مع عملية تفكيك واسعة النطاق، لبنى الدولة الاردنية واجهزتها ودورها الاقتصادي والاجتماعي. وكذلك مع عملية افقار وتهميش جذرية للاغلبية الشعبية. وهكذا، اصبح لدينا مناطق غنى فاحش تقابلها مناطق جوع .. بالمعنى المحدد للكلمة .. وتداول سهل بالمليارات، يقابله بحث محموم عن بضع دنانير لتأمين الغذاء او الدواء او التدفئة.
على المستوى السياسي، لم نتقدم خطوة واحدة باتجاه المأسسة الديمقراطية، بينما يتم استخدام هذا «العنوان» لاغراض ليبرالية: حرية الاستثمار من غير قيود اجتماعية او وطنية. بالمقابل جرى تهميش البرلمان – وتغييبه – وبقي العداء او قل اللامبالاة المعادية ازاء القوى السياسية التقليدية والشعبية، واستبعادها عن المشاركة في القرار، بل تحميلها اوزاره.
هكذا نواجه الازمة بتنظيم انتقادي واجتماعي وسياسي داخلي هش. وهذا هو ما يبعث على القلق ازاء التهديد الارهابي، وكذلك ازاء التهديد الاسرائيلي، ومؤامرة الوطن البديل، وآثار العواصف الاقليمية الاخرى.
وربما اصبح واضحا الان – بعد اعتداءات 9/11 – ان الدولة الاردنية لا يمكنها ان تقف على الارجل الواهية لليبراليين الجدد، بل على ارجل من حديد، تصنعها عملية ديمقراطية اجتماعية جذرية، تعيد الاعتبار للدستور والهيئات الدستورية والتكوين الاجتماعي – السياسي للحكومات، وهيبتها. وتعيد الاعتبار لدور الدولة الاقتصادي- الاجتماعي، وللقطاع العام ومؤسساته، وللمجتمع «التقليدي» وقواه المدنية.
على المستوى السياسي، علينا ان نواجه حقيقة ان الاحتلال الامريكي للعراق هو السبب المباشر في استقدام الارهابيين الى المنطقة، ومنحهم ملاذا ومنطلقا في البلد المحتل.
ومن الواضح ان الجهود المبذولة لتصفية هذا الاحتلال البغيض والدعم المتوازن للمصالحة الوطنية واعادة البناء في العراق، تصب مباشرة في اي عملية ناجحة لتصفية الارهاب في المنطقة.
من دون العمل على وقف المغامرة الامريكية في بلاد الرافدين – والحيلولة دون اتساعها لتشمل سوريا ايضا – فإننا سنظل معرضين – مهما فعلنا – للاخطار الارهابية والاقليمية.