شيحان
ناهض حتّر
(الكتابة الساخرة ليست واحدة، فهي قد تكون سخرية الشعب إزاء اعدائه… أو سخرية من الشعب لصالح أعدائه!!)
قرأت كتاب الزميل محمد طمليه “يحدث لي دون سائر الناس” دفعة واحدة. وبالنسبة لي، فهذا دليل أول على جودة النصوص التي خضعت لتحرير متقن أظهر جماليات الأسلوب الأدبي الذي يُطيح به الإخراج الصحفي الذي يهمل (معذوراً) علامات الإعراب وعلامات الترقيم، ويتجاوز (غير معذور) إلى تخريب النص بوساطة الأخطاء المطبعية وتداخل الجمل والفقرات… الخ.
عنوان الكتاب لافت، ويشير إلى الهاجس الأدبي الأساسي، عند الكاتب، في ممارسته للكتابة الصحفية اليومية. فما هو أدبي (أو فني على العموم) هو ما يحدث للكاتب أو الفنان -دون سائر الناس! بمعنى آخر أن الأدب (والفن) هو تجربة ذاتية فريدة، تكمن أصالتها في مدى ما تحققه من فرادة. وعلى هذا المستوى، فان طمليه فريد، فعلاً، في مقارباته للأحداث والظواهر والشخصيات، وفي مشاعره، وفي بنية المنطق الداخلي لرؤيته. وهي، كما بدت لي، في الكتاب، منسجمة وتعبر عن روح معذبة وساخرة. مجروحة وعابثة معاً، إلّا انها تحيل، بالمجمل، إلى فضاء نقدي وشعبي.
وهذه الملاحظة تتعلق بكتاب طمليه، ولكنها لا تنطبق على يومياته الصحفية دائماً. فهو يهبط، أحياناً، إلى التوحد مع العدو الطبقي والوطني في السخرية من الشعب. غير أن طمليه، أكد لي، في كتابه، أن عثراته هي عثرات وأخطاء، وليست نهجاً.
بالمقابل، فإن اللوحات الكاريكاتيرية لشريكه في الكتاب، حجاج، تنطلق، بالأساس، من ذلك النهج أي ذلك الذي يرى الشعب والوطن، من وجهة النظر الساخرة لليبرالية الجديدة الكمبرادورية.
وباختصار، فهي سخرية لا تنبع من الشعب لتصحيح حركة الشعب وتنويره، بل هي سخرية معادية للشعب وروحه وحركته. ويؤسفني أن طمليه اضطر، تحت إغراءات تسويقية، إلى أن يضع نصوصه التي تحمل نبض السخرية المرة الشعبية والتنويرية إلى جانب رسومات السخرية السطحية من الشعب الكادح لصالح الكمبرادور ووحشية العولمة الرأسمالية في نظرتها الهدامة للتقاليد الشعبية.
***
السخرية الشعبية… أم السخرية من الشعب؟!
هذا هو السؤال الرئيسي بالنسبة للكاتب الساخر. وهنا يلمع الزميل أحمد أبو خليل في مقدمة الثابتين في صف السخرية الشعبية. وكتاباته البليغة المشحونة بالتوتر الداخلي، والصادرة عن رؤية واضحة (مركبة من الذكاء الفطري لابن الشعب والذكاء المثقف لليساري) هي أفضل الكتابات الساخرة في الصحافة الأردنية.
ويشاركه، في هذا المقام، الزميل يوسف غيشان (ردّ الله غربته) وهو طالما أضحكنا حتى ردنا إلى وعينا في نصوص مبدعة. غير أنني أقرأه، الآن، فأجد أن شعلته تكاد تخبو أو أنها مقيدة عن النور.
في السخرية الشعبية نلاحظ ان التكوين… الكركي الأصيل، يكفي أن تضعه، على علاته، في مجابهة الكمبرادورية والليبرالية الجديدة العولمية حتى تصبح الأخيرة مضحكة. وهذه السخرية الشعبية في طزاجتها المباشرة أو مباشرتها الطازجة، هي التي ميزت إبداعات الثنائي محمد الشواقفة وموسى حجازين… فحجازين، بظهوره -مجرد ظهوره -بصفته الكركي الفصيح -على الخشبة، كان يفضح أعداء الشعب، بل قل كان يشكل فضيحة لأعداء الشعب من الكمبرادور المتأسرل.
غير أن فصاحة ابن الجندي الكركي الساخرة لا يمكنها أن تخدم بالعكس. هنا، تصبح هي نفسها موضع السخرية!
أكثر العناصر جمالاً وأصالة في النزعة الأردنية الساخرة، أنها–بتكوينها-شعبيّة تنفر من الأغنياء وتهزأ بهم، وتشكك في أصالتهم وأخلاقياتهم. ويعود ذلك-بالأساس -إلى شكل ملكية الأرض في الأردن حيث لم تنشأ تقاليد اقطاعيّة أو تقاليد احترام وتقديس الملكية الخاصة. فالأرض الزراعية كانت ملكيات جماعيّة. وهذا هو أساس تقاليد الفروسيّة والمساواتية والنزعة الديمقراطية الاجتماعية في التراث الأردني الذي ألهم، عرار، عبقريته الساخرة، مثلما ألهم ابنه، وصفي، مشروع دولة القطاع العام والطابع الاجتماعي -الثقافي للمؤسسة العسكرية؛ لقد نجح هذا المشروع وتجذر، لأنه كان يتوافق مع مصالح الأغلبية الشعبية، وكذلك مع التقاليد الأردنية.
ومن هذه الخلفية بالذات، تنطلق سخرية بدائية مسننة الحواف تفضح المشروع الكمبرادوري.
هل يمكن استخدام السلاح نفسه… للترويج للمشروع المضاد (الكمبرادوري) هذا متعذر نهائياً. فلا يمكنك أن تكون شاعر القبيلة… إلّا للقبيلة. وعندما تنتقل [180] درجة إلى الضد الليبرالي-الكمبرادوري، فلن يعود بإمكانك سوى السخرية من نفسك للدفاع عن ضدك. إنه انتحار.
كتابنا الساخرون في اليوم التالي للكمبرادوريةساخر ومسخور منه وبينهما كامخ
Posted in Uncategorized.